واشتغاله بعلم الكلام والفلاسفة ولم يكن سلفيا، ولكنه لما وصل إلى ما وصل إليه من نتائج انقلب على ابتداعه وادعى أتباعه للسلف وحمل على باقي المشتغلين بهذه العلوم فبدعهم وضللهم. لكن أحدا لا يقول بأن شيخ الإسلام كان ضالا مبتدعا سنوات اشتغاله بعلم الكلام والفلسفة، فيكف ذلك؟!
يقول الدكتور البوطي: لقد انعكس هذا الاضطراب في كلام ابن تيمية، على أذهان كثير ممن يقرأون له، بسطحية ودون صبر أو استيعاب. فقد أخذوا يروون عنه مستدلين ومحتجين أنه أنكر الاشتغال بعلم الكلام وحذر منه، وسفه المشتغلين به والمؤلفين فيه، مع أنه قرر نقيض ذلك تماما بل أنه خاض في المباحث الكلامية، طبقا للمقاييس الفلسفية في الجزء الثالث من مجموع فتاواه، خوضا سبق به أساطين علم الكلام الذين ينهال عليهم (السلفيون) كل يوم بالهجوم المقذع والنسبة إلى الابتداع. فقد تحدث عن العلاقة بين الوجود والموجود، وعن القدرة الصلوحية والتنجيزية، في العبد، وهو توجد القدرة عند مباشرة الفعل أم قبلها، وعن الجبر والاختيار، وعن القدم بالنوع والحدوث في الجزئيات.. وأوغل في ذلك أيما إيغال. وهو مما ينأى عنه - بدون ريب - منهج القرآن وطريقته في بيان عقائد الإسلام، على حد ما يقوله ابن تيمية، ويقرره في أكثر من مناسبة (102).
وعليه فابن تيمية لم يكن سلفيا عندما اشتغل بعلم الكلام والفلسفة.
وعندما أفتى بضلال من يشتغل بهما فإنما كان ذلك منه غرور علمي ليس إلا، وممارسة الأستاذية على الناس وطلبة العلم. وهذه الأستاذية التي إن قبل بها أتباعه من حشوية العوام، فإن باقي علماء الفرق والمذاهب رفضوها ولم يعتبروها إلا ادعاءا جديدا يضاف إلى ادعاءاته الكثيرة، وقد أوردنا سابقا بعضا من آراء علماء أهل السنة فيه وفي علمه واجتهاده.