طوائف العلماء فلا هؤلاء يقبلون عليهم أو يتحدثون عنهم فيما بينهم أو فيما يؤلفون من كتبهم، حديث من يريد تجلية الحقائق العلمية ويكشف اللثام عن خباياها. ولاهم يختلطون بهؤلاء أو بغيرهم من أهل الولايات وذوي الأقدار في الدولة (124).
وإذا كانت صفة الحنابلة هي كما ذكرنا، فإن " شيخ الإسلام " سيتربع على كرسي مشيختهم وسيكون محط رحال اقتدائهم وتقليدهم بعدما تشبع بأصول المذهب وفروعه وتزيا بزي أصحابه ومؤسسيه، لذلك نعتقد أن الجفاء والحدة والخشونة قد رضعهما الشيخ من ثدي المذهب فامتزج لحمه ودمه بهما وظهر ذلك واضحا في سلوكه ومعاملاته.
ولنا أن نسأل الشيخ وهو العليم بمذاهب السلف وسيرهم، هل كان السلف الصالح جفاة غلاظا ذوي خشونة وحدة بالغة؟! لا شك أن الشيخ سيقلب لنا صفحات التاريخ ليأتي لنا بما يدعم رأيه وسلوكه، لكننا لن نحشر في نقاش طويل معه ومع أتباعه حول هذه القضية وسنرد عليه بقول عمر بن الخطاب " حسبنا كتاب الله " وقد جاء فيه: * (لو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك " (125).
وأخيرا لا يمكننا أن نسترسل في نقاش الرجل والإحاطة بفكره وحياته أكثر مما أوردناه، وذلك مخافة التطويل، لكننا سنختم قولنا بعتاب مر ورد على ألسنة الباحثين المعاصرين ممن تناولوا حياته. هذا العتاب الذي يمكن تلخيص عبارته كالتالي: لقد أشعل الرجل حروبا وفتنا داخلية بين المسلمين وشغل العلماء والسلطات السياسية في مصر والشام عن معالجة جروح هذه الأمة التي لم تكن قد التأمت بعد من خراب بغداد والشرق الأقصى الإسلامي على يد المغول وما تعرض له المسلمون من إبادة جماعية هناك. وانطلاق الحملة