فعلم الكلام في نظرهم بطرقه الاحتجاجية ومنهجه المنطقي أفضل وسيلة للدفاع عن عقائد السلف وأهل السنة أمام شبهات الخصوم من اليهود والنصارى وأصحاب الملل والنحل التي أصبح أهلها مواطنين في دولة الإسلام.
وإن كان الصحابة والتابعون وأئمة المذاهب الفقهية لم يعرف عنهم الاشتغال بهذا العلم فإنما ذلك راجع للحاجة والضرورة. فالسلف لم يكونوا في حاجة إلى تعلم هذا العلم، أما الخلف فهم مضطرون لأن لا سبيل للدفاع عن عقائد الإسلام أمام شبهات الخصوم إلا به. فالخصم يعتمد الأساليب المنطقية ويستخدم اصطلاحات مستحدثة وبذلك يكثر التشويش ويتعرض عامة المسلمين وخاصتهم للاضطراب.
وابن تيمية لما أنحى بالأئمة على الغزالي بسبب خوضه في تلك المصطلحات والمقاييس (98)، أو بسبب اعتماده المنطق وجعله باب العلوم ومقدمتها، كان متناقضا في رأيه وسلوكه، فهو في فتاويه يصرح بأن " مخاطبة أهل الاصطلاح باصطلاحهم ولغتهم فليس بمكروه إذا احتيج إلى ذلك وكانت المعاني صحيحة.. فإذا عرفت المعاني التي يقصدونها بأمثال هذه العبارات، ووزنت بالكتاب والسنة بحيث يثبت الحق الذي أثبته الكتاب والسنة، وينفي الباطل الذي نفاه الكتاب والسنة. كان ذلك هو الحق " (99).
وهذا كما يقول الدكتور البوطي هو ما اتفق عليه سائر المشتغلين بعلم الكلام قديما وحديثا من أهل السنة والجماعة. فإن أحدهم لم يتبن المضامين الباطلة للفلاسفة والمناطقة اليونانين، ولكنهم لم يجدوا مناصا من استعمال اصطلاحاتهم ومقاييسهم اللفظية في عصر انتشرت فيه هذه الاصطلاحات والمقايس (100).