دلالة الأولى على الجلوس مكانه ودلالة الثانية على القيام والمشي ثم الجلوس، فالثانية أوفق بالقاعدة فإن التبعية للإمام في الجلوس لا تزاحم مانعية البعد عن الإمام لأن المتابعة العملية ليست واجبة بوجوب شرطي حتى يقال: لا ترجيح لشرط على شرط، بل بوجب نفسي فالمتابعة فرع صحة الجماعة بقاء، فلا تعقل المزاحمة مع المانع بل تجب المتابعة في الجلوس بعد رفع المانع بالقيام والمشي إلى الإمام، إلا أن الصحيحة نص في جواز الجلوس وترك المشي بالقيام إلى الإمام، والرواية ظاهرة في وجوب القيام والمشي فيقدم النص على الظاهر وتحمل الرواية على استحباب القيام والمشي، فلا ينافي جواز الجلوس، كما يمكن الحمل على التخيير برفع اليد عن ظهور كل منهما في تعيين متعلقه.
ومنها: هل يجب الاقتصار على المشي في الركوع والقيام على غير حال الذكر والقراءة رعاية للطمأنينة الواجبة فيهما، أو يجوز له المشي ولو في تلك الحال، وحيث إن الطمأنينة شرط في أصل الصلاة والبعد بما لا يتخطى مانع عن الجماعة، فعدمه شرط فيها، فمقتضى القاعدة رعاية الطمأنينة، إذ لا معنى لمزاحمة شرط الجماعة لشرط أصل الصلاة، مع أنه لا جماعة إلا في الصلاة المستجمعة لجميع الشرائط والأجزاء فليس اعتبارهما في عرض واحد ليعقل المزاحمة إلا أن مقتضى اطلاق دليل جواز المشي في الركوع والقيام عدم شرطية الطمأنينة في مثل هذه الحال، ولا يرد عليه ما أوردناه سابقا، من عدم إطلاق دليل عدم مانعية البعد مع خوف فوات الركعة لصورة وجود مانع آخر، وذلك لأن الغالب كون الركوع بمقدار الذكر فالترخيص في المشي حال الركوع ترخيص في ملازمه الغالبي. نعم ركوع الركعة الأولى من الإمام غالبا أزيد من الذكر إلا أن كونه كذلك حتى في الصدر الأول غير معلوم، ولعله لما ذكرنا يقال:
بأن هذه الأخبار في الدلالة على عدم لزوم الطمأنينة أظهر مما دل على اعتبارها، وإن كان بينهما عموم من وجه، فتدبر جيدا. ومنه يعلم الفرق بين مثل الطمأنينة ومثل الاستدبار فإن الاطلاق لا يعم الثاني لعدم الملازمة الغالبية فيه، بل ورد في باب الانفراد عن الصف إنه لا ينحرف عن القبلة بل يمشي منحرفا إلى أحد