عليه وآله وسلم بعث خالد بن الوليد إليهم أولا، ولبث فيهم خالد ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجبه أحد، ثم بعث الإمام عليه السلام فأسلم على يده همدان في أول يوم، وهذا أصدق شاهد على أن كلام الفاضل أشد تأثيرا من كلام المفضول، وإن كانت إقامته أطول ودعوته أكثر... من هنا يظهر بطلان قياس تعليم الإمام عليه السلام بتعليم غيره، فضلا عن تعليم معاذ على تعليمه، ولنعم ما قال عليه السلام: " لا يقاس بآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الأمة أحد، ولا يسوى بهم من جرت نعمته عليهم أبدا ".
وأما ما ادعاه ابن تيمية في قوله: " وشريح وغيرهم من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل " فكذب شنيع، لا يمكن لأحد من أولياء ابن تيمية تصحيحه على أصول السنية، فضلا عن طريق الإمامية، فإن تعلم شريح من معاذ لم يذكره إلا علي بن المديني غير جازم به، بل حكاه عن قائل مجهول، ففي (الإصابة) بترجمة شريح: " وقال ابن المديني: ولي قضاء الكوفة ثلاثا وخمسين سنة، ونزل البصرة سبع سنين، ويقال: إنه تعلم من معاذ، إذ كان باليمن " (1)، ومن الواضح أن هكذا أمر لا يثبت بمجرد قول من مجهول.
بل إن التتبع لكتب الرجال والتراجم يفيد بعض القرائن على النفي، منها، عدم ذكر معاذ فيمن روى عنه شريح، ولو كان متفقها عليه لذكر اسمه فيمن روى عنه قبل غيرهم قطعا، ولا أقل من ذكره فيما بينهم. وإليك نص ترجمة ابن حبان لشريح: " شريح بن الحارث القاضي الكندي، حليف لهم... كنيته أبو أمية، وقد قيل: أبو عبد الرحمن، كان قائفا، وكان شاعرا، وكان قاضيا، يروي عن عمر بن الخطاب، روى عنه الشعبي، مات سنة ثمان وسبعين أو سبع وثمانين، وهو ابن مائة