اللسان، وحرف الحلق غيرهما، فلو كان تعالى يحتاج في كلامه إلى الحروف لاحتاج إلى المخارج، وهو منزه عن جميع ذلك سبحانه وتعالى عما يشركون.
وأيضا: فإن الحروف متناهية معدودة محدودة، وكلام الله تعالى قديم لا مفتتح لوجوده ولا نهاية لدوامه، كعلمه وقدرته ونحو ذلك من صفات ذاته، وقد أكد تعالى ذلك بغاية التأكيد، وأن كلامه لا يدخله العد والحصر والحد بقوله تعالى (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا).
وقال (ولو أن ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله) فأخبر تعالى في هاتين الآيتين أنه لا نهاية لكلامه، إذ كل ماله نهاية له بداية، وإنما تتصور النهاية في حق من يتصور في حقه البداية ".
وقد رد الباقلاني على ما أورده المخالفون من الأحاديث، وأجاب بأجوبة عديدة.. منها قوله بأن حديث ابن أنيس قد روى فيه ما يدل على أن الصوت من غير الله بأمره... ثم قال:
".. فصح أن النداء من غيره، لكن لما كان بأمره أضيف النداء إليه كما يقال: نادى الخليفة في بغداد بكذا وكذا. ويقال أمر الخليفة مناديا فنادى بأمره في بغداد بكذا وكذا. ولا فرق بين الموضعين. فإن كل عاقل يعلم أن الخليفة لم يباشر النداء بنفسه، لكن لما كان بأمره جاز أن يضيفه إلى نفسه وأن يضاف إليه وإن لم يكن هو المنادي بنفسه. ويصحح جميع ذلك القرآن قال الله (واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج) ".
" ومن عجيب الأمر أن الجهال لا يجيزون أن يكون النداء صفة المخلوق، إذا كان رفيع القدر في الدنيا كالخليفة والأمير وينفون عنه ذلك، ثم يجوزونه في حق رب العالمين.