اظهار خير الغير وهو مساوق لظهوره لديه، لا أنه مساوق لتأثره به، فكذا الغش اظهار ما هو شر بعنوان الخير، وهو مساوق لظهور الشر في صورة الخير لدى الغير، لا أنه مساوق لتأثره به.
ومما ذكرنا كله تبين: أن النصح والغش وإن كانا متقابلين بتقابل التضاد ولهما ثالث أيضا، إلا أنه في المقام لمكان الالتزام يصدق أنه غشه في بيعه وإن لم يكن منغشا به لعدم اعتماده على التزامه، والمحرم هو الغش الصادق على البيع المزبور، لا من حيث إن ترك الاعلام بالعيب غش ليكون الاعلام بما هو واجبا.
كما أنه تبين أن الغش لا يدور مدار اخفاء العيب، فلا فرق بعد الالتزام بالصحة والبيع بعنوان الصحيح بين أن يكون العيب خفيا أو جليا، إلا إذا كان من الوضوح بحد لا موجب للالتزام بالصحة، بل لا معنى له، فإنه حينئذ لا يصدق الغش كما في بعض الروايات كصحيحة ابن مسلم المتضمنة لخلط الجيد بالردئ، حيث قال (عليه السلام) (إذا رؤيا جميعا فلا بأس) (1).
ومنها: أن ظاهر المشهور من التخيير بين الاعلام بالعيب أو التبرئ منه أن وجوب الاعلام يسقط بالتبرئ، وهو مع انبعاث الغش عن الالتزام بالصحة واضح، إذ مع التبرئ لا التزام من البائع بالصحة فلا غش منه، وأما بناء على أن مجرد اخفاء العيب غش - ولو بابقائه على خفائه لترك اظهاره - فالغش بهذا المعنى يجامع التبرئ، إذ هو لا يساوق ظهوره، بل سقوط أثره على تقدير ثبوته.
إلا أن يقال: إن اخفاء العيب إنما يكون غشا إذا كان اخفاء لما هو شر للمشتري وعلى خلاف مقصوده، ومع رضاه بالعيب لمكان تبرئ البائع منه ليس ابقاؤه على خفائه ايقاعا له في خلاف مرامه ليكون غشا، ولو لم يكن راضيا به لزمه إما عدم الاقدام على اشتراء ما تبرء البائع عن عيبه، أو الفحص عن صحته وعيبه دون الاعتماد على غلبة السلامة التي لا أثر لها إلا رفع الغرر لتصحيح المعاملة فقط، وبهذا يتضح ما أفاده المصنف (قدس سره) في وجه سقوط الاعلام وعدمه مع التبرئ، فتدبر.