النور بالظلمة، فالغش مع الغير هي المعاملة المشوبة معه باظهار الخير وهو شر واقعا.
نعم هما متضادان ولكنهما ضدان لهما ثالث، لا بلا ثالث، فمن يسلك سبيل الشر مثلا يكون ارشاده واظهار خيره نصحا له، واظهار أنه طريق الخير مع أنه شر غش له، والسكوت عنه لا نصح ولا غش.
ومنه يعلم أن الاعلام بالعيب نصح، وتركه بما هو ترك النصح واظهار أنه صحيح غش له، لا مجرد ترك اعلامه بالعيب، إلا أن البيع حيث إنه من البائع بعنوان أن المبيع صحيح ملتزما بصحته راجع إلى اظهار خلاف ما هو الواقع وهو غش، كالتصريح بأنه صحيح، فهو أولى بأن يكون غشا من اخفاء العيب.
وربما يقال: بأن دلالة العقد على الالتزام بالصحة بل التصريح بها إنما يكون غشا إذا كان اعتماد المشتري في الاقدام على الابتياع على التزام البائع بالصحة، وأما إذا كان اعتماده على أصالة السلامة فإنها الرافعة للغرر دون الالتزام الضمني من البائع، فلا محالة لا يصدق أن البائع غاش للمشتري، فإنه على الفرض لم ينبعث اقدامه عن التزامه حتى يكون منغشا بغشه، بل إنما وقع في خلاف مرامه بتخلف غلبة السلامة.
والجواب: أن بعض مبادئ الأفعال يكون له قيام بفاعله قيام صدور، وبمفعوله قيام حلول، فلا محالة لا ينفك صدور الفعل عن الانفعال، كالكسر الغير المنفك عن الانكسار، والضاربية الغير المنفكة عن المضروبية وأشباههما، وبعض المبادئ ليس له إلا القيام بفاعله من دون قيام ناعتي بمفعوله كالأمر والايتمار، فإنه يصح أنه أمره ولم يأتمر، وليس عدم الائتمار منافيا لتحقق الأمر حقيقة، ووجهه أن المبدأ لا قيام له إلا بالفاعل، ولا ينافي ذلك اتحاد الايجاد والوجود ذاتا واختلافهما اعتبارا، فإن المبدأ من حيث الصدور له قيام بالأمر، ومن حيث الحلول له تعلق بما تعلق به الأمر، ولا قيام له خارجا بالمأمور حتى يكون البعث ملازما للانبعاث.
والنصح والغش من هذا القبيل، إذ ليس النصح ايجاد شئ في المفعول ليكون للمبدأ قيام به خارجا، فلذا يصح أن يقال " نصحه فلم ينتصح ولم يتأثر بنصحه "، فكذا في ما يقابله فإنه يصح أن يقال " غشه فلم ينغش "، وسره أن النصح ليس إلا