وفي الصورة الثانية الأصل براءة ذمته عن العوض إلا أن يقال في جميع الأقسام إن مقتضى أصالة الاحترام في الأموال أن مدعي براءة الذمة يجب أن يثبت مدعاه، وإلا نفس المال بطبعه يقتضي أن لا يخرج عن ملك مالكه بلا عوض.
ولا يبعد أن يكون منشأ اختيار المشهور الضمان في مورد اشتباه العقد الصحيح - بين القرض والوديعة وبين الإجارة والعارية بالنسبة إلى المنافع وبين البيع والهبة - هو أصالة الاحترام فتدبر.
هذا، مع أنه دل نص خاص على الضمان في مثل هذه الموارد، وهو ما عن أبي الحسن (عليه السلام): عن رجل استودع رجلا ألف درهم فضاعت، فقال الرجل: كانت عندي وديعة، وقال الآخر: إنما كانت لي عليك قرضا، فقال (عليه السلام): المال لازم له إلا أن يقيم البينة إنها كانت وديعة (1).
وأما لو كان العقد فاسدا ففي صورة بقاء العين يجب ردها إلى مالكها أو إلى ورثته وفي صورة التلف يجب رد عوضها إلى مالكها أو ورثته، لأن موجب الضمان - وهو اليد - قد تحقق ورافعه وهو إقدام المالك على المجانية غير معلوم، فيستصحب ويحكم بالضمان، لأن الموضوع للضمان وهو المركب من اليد وعدم تحقق رافعه محرز بالوجدان والأصل. وليس إقدام المالك على المجانية من مفاد كان الناقصة لليد حتى يقال: إن عدم إقدامه من مفاد ليس الناقصة، فليس له حالة سابقة، لأنه لم تتحقق في زمان يد تتصف بعدم إقدام صاحبها على المجانية، وذلك لأن رافع الضمان ليس من نعت اليد، بل هو من صفات ذي اليد. كما هو الشأن في كل عرض بالنسبة إلى محله، وأما بالنسبة إلى عرض آخر أو جوهر فهما متباينان.
ولذا يكفي في تحققه تحققه قبل تسليط المالك على ماله أو بعده كما يكفي تحققه معه، فإذا تحقق يد في الأمس وإقدام على المجانية في اليوم يكفي لرفع الضمان.
وعلى هذا ففي مورد الشك في الإقدام على المجانية يحرز عدمه بالعدم المحمولي.