فتحلى بيمن الإيمان وتزين بعوارف المعرفة واتصف بمحكم الحكمة وأدرك أنواع العلم فصارت الحكم من ألفاظه ملتقطة وشوارد العلوم الظاهرة والباطنة وبه آنسه وعيونها من قليب قلبه منفجرة ولم يزل بملازمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيده الله تعالى علما حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما نقله الترمذي في صحيحه بسنده عنه:
أنا مدينة العلم وعلي بابها. فكان من غزارة علمه يذلل جوامع القضايا ويوضح مشكلات الوقايع ويسهل مستصعب الأحكام فكل علم كان له فيه أثر وكل حكمة كان له عليها استظهار وسيأتي تفصيل هذا التأصيل في الفصل السادس المعقود لبيان علمه وفضله إن شاء الله وحيث اتضح ما آتاه الله تعالى من أنواع العلم وأقسام الحكمة فباعتبار ذلك وصف بلفظة البطين فإنها لفظة يوصف من هو عظيم البطن متصف بامتلائه ولما كان قد امتلأ علما وحكمة وتضلع من أنواع العلوم فأقسام الحكمة ما صار غذاء له مملوا به وصف باعتبار ذلك بكونه بطينا من العلم والحكمة كمن تضلع من الأغذية الجسمانية ما عظم بطنه فصار باعتباره بطينا فأطلقت هذه اللفظة نظرا إلى ذلك هذا هو المعنى الذي أهدته هداة الرواة إلى ألسنة الأقلام وورائه معنى اطلعت زهرة بروح هداية الالهام وأينعت زهره مروج دراية الأفهام يطرب بسامعه ويعجب من يعيه ولا غرو أن اطرب وأعجب بليغ المعاني وفصيح الكلام وتقريب وتهذيب تحريره إن لفظة بطين هي فعيل ولفظة فعيل معدولة فتارة يكون معدولة عن فاعل كشهيد وعليم عن شاهد وعالم وتارة عن مفعول كقتيل وجريح عن مقتول ومجروح وتارة عن مفاعل كخصيم ونديم عن مخاصم ومنادم وتارة عن مفعل كبديع وعجيب عن مبدع ومعجب وإذا كان محال ما يكون معدولة عنه وأقسامه مفعل فتكون لفظة بطين هيهنا معدولة عن مبطن وقد انتشرت الأخبار في الأقطار وظهرت الآثار في الأمصار أن عليا كان قد حصل على علم كثير ومعرفة وافرة ودراية وافية وأظهر بعضا لشمول معرفته وعموم منفعته وأبطن بعضا إلى حين