العرض، أي طيب الريح، وكذا منتن العرض، وسقاء خبيث العرض، إذا كان منتنا، عن أبي عبيد. وقال أبو عبيد: معنى العرض في الحديث أنه كل شيء من الجسد من المغابن وهي الأعراض، قال: وليس العرض في النسب من هذا في شيء. وقال الأزهري في معنى الحديث: من أعراضهم، أي من أبدانهم، على قول ابن الأعرابي، قال: وهو أحسن من أن يذهب به إلى أعراض المغابن.
والعرض أيضا: " النفس ". يقال: أكرمت عنه عرضي، أي صنت عنه نفسي، وفلان نقي العرض، أي بري من أن يشتم أو يعاب. وقال حسان، رضي الله عنه:
فإن أبي ووالده وعرضي * لعرض محمد منكم وقاء قال ابن الأثير: هذا خاص للنفس.
وقيل العرض: " جانب الرجل الذي يصونه من نفسه وحسبه " ويحامي عنه " أن ينتقص ويثلب "، نقله ابن الأثير، " أو سواء كان في نفسه أو سلفه أو من يلزمه أمره، أو موضع المدح والذم منه "، أي من الإنسان، وهما قول واحد، ففي النهاية: العرض: موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه فسر الحديث: " كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه "، " أو العرض: " ما يفتخر به " الإنسان " من حسب وشرف "، وبه فسر قول النابغة:
ينبيك ذو عرضهم عني وعالمهم * وليس جاهل أمر مثل من علما ذو عرضهم: أشرافهم، وقيل: ذو حسبهم.
ويقال: فلان كريم العرض، أي كريم الحسب، وهو ذو عرض، إذا كان حسيبا. " وقد يراد به " أي بالعرض " الآباء والأجداد "، ذكره أبو عبيد. يقال: شتم فلان عرض فلان، معناه: ذكر أسلافه وآباءه بالقبيح. وأنكر ابن قتيبة أن يكون العرض الأسلاف والآباء، وقال: العرض: نفس الرجل وبدنه لا غير. وقال في حديث النعمان بن بشير، رضي الله عنه: " فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه "، أي احتاط لنفسه. لا يجوز فيه معنى الآباء والأسلاف.
وقيل عرض الرجل: " الخليقة المحمودة " منه، نقله ابن الأثير.
وقال أبو بكر بن الأنباري: وما ذهب إليه ابن قتيبة غلط، دل على ذلك قول مسكين الدرامي:
رب مهزول سمين عرضه * وسمين الجسم مهزول الحسب فلو كان العرض البدن والجسم على ما ادعى لم يقل ما قال، إذ كان مستحيلا للقائل أن يقول: رب مهزول سمين جسمه، لأنه مناقضة، وإنما أراد: رب مهزول جسمه كريمة آباؤه، ويدل لذلك أيضا قوله صلى الله عليه وسلم: " دمه وعرضه " فلو كان العرض هو النفس لكان دمه كافيا من قوله عرضه، لأن الدم يراد به ذهاب النفس.
وقال أبو العباس: إذا ذكر عرض فلان فمعناه أموره التي يرتفع أو يسقط بذكرها من جهتها بحمد أو بذم، فيجوز أن يكون أمورا يوصف بها هو دون أسلافه، ويجوز أن تذكر أسلافه لتلحقه النقيصة بعيبهم، لا خلاف بين أهل اللغة إلا ما ذكره ابن قتيبة من إنكاره أن يكون العرض الأسلاف والآباء:
قلت: وقد احتج كل من الفريقين بما أيد به كلامه، ويدل لابن قتيبة قول حسان السابق ولو ادعي فيه العموم بعد الخصوص، وحديث أبي ضمضم: " إني تصدقت بعرضي على عبادك "، وكذا حديث أهل الجنة السابق، وكذا حديث " لي الواجد يحل عقوبته وعرضه " وكذا حديث النعمان بن بشير، وكذا قول أبي الدرداء، رضي الله عنهما " أقرض من عرضك ليوم فقرك ". وإن أجيب عن بعض ذلك. وأما تحامل ابن الأنباري وتغليظه إياه فمحل تأمل. وقد أنصف أبو العباس فيما قاله فإنه جمع بين القولين، ورفع عن وجه المراد حجاب الشين، فتأمل، والله أعلم.
والعرض: " الجلد "، أنشد إبراهيم الحربي:
وتلقى جارنا يثني علينا * إذا ما حان يوم أن يبينا