وقال سوار بن المضرب:
إني كأني أرى من لا حياء له * ولا أمانة وسط الناس عريانا وفي الحديث أتى رسول الله صلى الله عليه وسط القوم أي بينهم. ولما كانت بين ظرفا، كانت وسط ظرفا ولهذا جاءت ساكنة الأوسط لتكون على وزانها، ولما كانت بين لا تكون بعضا لما يضاف إليها بخلاف الوسط الذي هو بعض ما يضاف إليه، كذلك وسط لا تكون بعض ما تضاف إليه، ألا ترى أن وسط الدار منها، ووسط القوم غيرهم، ومن ذلك قولهم: وسط رأسه صلب، لأن وسط الرأس بعضها، وتقول: وسط رأسه دهن. فتنصب وسط على الظرف. وليس هو بعض الرأس. فقد حصل لك الفرق بينهما من جهة المعنى، ومن جهة اللفظ. أما من جهة المعنى فإنها تلزم الظرفية، وليست باسم متمكن يصح رفعه ونصبه، على أن يكون فاعلا ومفعولا، وغير ذلك بخلاف الوسط.
وأما من جهة اللفظ فإنه لا يكون من الشيء الذي يضاف إليه، بخلاف الوسط أيضا. فإن قلت: قد ينتصب الوسط على الظرف، كما ينتصب الوسط كقولهم: جلست وسط والدار، وهو يرتعي وسطا، ومنه ما جاء في الحديث: أنه كان يقف في (1) الجنازة على المرأة وسطها فالجواب أن نصب الوسط على الظرف إنما جاء على جهة الاتساع، والخروج عن الأصل على حد ما جاء الطريق ونحوه، وذلك مثل قوله:
* كما عسل الطريق الثعلب * وليس نصبه على الظرف على معنى بين كما كان ذلك في وسط، ألا ترى أن وسطا لازم للظرفية، وليس كذلك وسط، بل اللازم له الاسمية في الأكثر والأعم، وليس انتصابه على الظرف - وإن كان قليلا في الكلام - على حد انتصاب الوسط في كونه بمعنى بين، فافهم ذلك.
قال: واعلم - أنه متى دخل على وسط حرف الوعاء - خرج عن الظرفية ورجعوا فيه إلى وسط، ويكون بمعنى وسط، كقولك: جلست في وسط القوم. وفي وسط رأسه دهن. والمعنى فيه مع تحركه، كمعناه مع سكونه، إذا قلت: جلست وسط القوم ووسط رأسه دهن، ألا ترى أن وسط القوم بمعنى وسط القوم، إلا أن وسطا يلزم الظرفية، ولا يكون إلا اسما، فاستعير له إذا خرج عن الظرفية الوسط على جهة النيابة عنه، وهو في غير هذا مخالف لمعناه. وقد يستعمل الوسط الذي هو ظرف اسما ويبقى على سكونه، كما استعملوا بين اسما على حكمها ظرفا في نحو قوله تعالى: " لقد تقطع بينكم " (2) قال القتال الكلابي:
من وسط جمع بني قريظ بعدما * هتفت ربيعة يا بني خوار (3) وقال عدي بن زيد:
وسطه كاليراع أو سرج المج * دل، حينا يخبو، وحينا ينير انتهى كلام ابن بري.
وقال ابن الأثير - في تفسير حديث: " الجالس وسط الحلقة ملعون " - ما نصه: الوسط بالتسكين يقال فيما كان متفرق الأجزاء غير متصل، كالناس والدواب وغير ذلك، فإذا كان متصل الأجزاء كالدار والرأس فهو بالفتح. وكل ما يصلح فيه بين فهو بالسكون، وما لا يصلح فيه بين فهو بالفتح. وقيل: كل منهما يقع موقع الآخر، قال: وكأنه الأشبه. قال: وإنما لعن الجالس (4) وسط الحلقة لأنه لا بد وأن يستدبر بعض المحيطين، به فيؤذيهم، فيلعنونه ويذمونه.
قلت: هذا خلاصة ما ذكره الأئمة في الفرق بين وسط ووسط. وكلام الليث يقرب من كلام الجوهري. وكلام المبرد (5) يقرب من كلام ابن بري، أعرضنا عن إيراد نصوصهم كلها مخافة التطويل، وفيما ذكرناه كفاية، وإلى تحقيق ما سطرناه النهاية. وقديما كنت أسمع شيوخنا يقولون