يديه، ليسوا من المهاجرين والأنصار، ولا من التابعين بإحسان، فسرت إليهم ودعوتهم إلى الجماعة والطاعة، فأبوا إلا شقاقا ونفاقا، ونهضوا في وجوه المهاجرين والأنصار والتابعين بإحسان، ينضحونهم بالنبل، ويشجونهم بالرماح، فهنالك نهضت إليهم فقاتلتهم، فلما عضهم السلاح، ووجدوا ألم الجراح، رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها، فنبأتكم أنهم ليسوا بأصحاب دين ولا قرآن، وإنما رفعوها إليكم خديعة ومكيدة، فامضوا على قتالهم، فاتهمتوني، وقلتم: اقبل منهم، فإنهم إن أجابوا إلى ما في الكتاب والسنة جامعونا على ما نحن عليه من الحق، وإن أبوا كان أعظم لحجتنا عليهم، فقبلت منهم، وخففت عنهم، وكان صلحا بينكم وبينهم على رجلين حكمين، يحييان ما أحيا القرآن، ويميتان ما أمات القرآن، فاختلف رأيهما، وتفرق حكمهما، ونبذا حكم القرآن، وخالف ما في الكتاب، واتبعا هواهما بغير هدى من الله، فجنبهما الله السداد وأهوى بهما في غمرة الضلال، وكانا أهل ذلك، فانخذلت عنا فرقة منهم، فتركناهم ما تركونا، حتى إذا عاثوا في الأرض مفسدين، وقتلوا المؤمنين، أتيناهم فقلنا لهم: ادفعوا إلينا قتلة إخواننا، فقالوا: كلنا قتلهم، وكلنا استحللنا دماءهم ودماءكم، وشدت علينا خيلهم ورجالهم، فصرعهم الله مصارع القوم الظالمين. ثم أمرتكم أن تمضوا من فوركم ذلك إلى عدوكم، فإنه أفزع لقلوبهم، وأنهك لمكرهم، وأهتك لكيدهم، فقلتم: كلت أذرعنا وسيوفنا، ونفرت نبالنا، ونصلت أسنة رماحنا، فأذن لنا، فلنرجع حتى نستعد بأحسن عدتنا، وإذا رجعت زدت في مقاتلتنا عدة من هلك منا، ومن قد فارقنا، فإن ذلك قوة منا على عدونا، فأقبلتم حتى إذا أطللتم على الكوفة، أمرتكم أن تلزموا معسكركم وتضموا قواصيكم، وتتوطنوا على الجهاد، ولا تكثروا زيارة أولادكم ونسائكم فإن ذلك يرق قلوبكم ويلويكم، وإن أصحاب الحرب لا يتوجدون، ولا يتوجعون، ولا يسأمون من سهر ليلهم، ولا من ظمأ نهارهم، ولا من خمص بطونهم، حتى يدركوا بثأرهم، وينالوا بغيتهم ومطلبهم، فنزلت طائفة منكم معي معذرة، ودخلت طائفة منكم المصر عاصية فلا من نزل معي صبر فثبت، ولا من دخل المصر عاد إلي، ولقد نظرت إلى عسكري وما فيه معي منكم إلا خمسون رجلا، فلما رأيت ما أتيتم دخلت إليكم، فما قدرتم أن تخرجوا معي إلى يومكم
(١٧٧)