وتناشدون الأشعار، تربت أيديكم، وقد نسيتم الحرب واستعدادها، وأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها، وشغلتموها بالأباطيل والأضاليل، ويحكم! اغزوا عدوكم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا، وأيم الله ما أظنكم تفعلون حتى يفعل بكم! وأيم الله لوددت أني قد رأيتهم فلقيت الله على نيتي وبصيرتي، فاسترحت من مقاساتكم ومداراتكم، ويحكم! ما أنتم إلا كإبل جامحة ضل عنها رعاؤها، فكلما ضمت (2) من جانب، انتشرت من جانب، والله لكأني أنظر إليكم وقد حمي الوطيس، لقد انفرجتم عن علي، انفراج الرأس، وانفراج المرأة عن قبلها.
فقام إليه الأشعث بن قيس الكندي، فقال: يا أمير المؤمنين فهلا فعلت كما فعل عثمان؟ قال له علي: ويلك وما فعل عثمان، رأيتني عائذا بالله من شر ما تقول، والله إن الذي فعل عثمان لمخزاة على من لا دين له، ولا حجة معه، فكيف وأنا على بينة من ربي، والحق معي، والله إن امرأ أمكن عدوه من نفسه، فنهش عظمه، وسفك دمه، لعظيم عجزه، ضعيف قلبه. أنت يا بن قيس فكن ذلك، فأما أنا فوالله دون أن أعطي ذلك ضرب بالمشرفي (3)، يطير له فراش الرأس (2)، وتطيح منه الأكف والمعاصم (5)، وتجد به الغلاصم ويفعل الله بعد ذلك ما يشاء. والله يا أهل العراق، ما أظن هؤلاء القوم من أهل الشام إلا ظاهرين عليكم، فقالوا: أبعلم تقول ذلك يا أمير المؤمنين؟ فقال: نعم، والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إني أرى أمورهم قد علت، وأرى أموركم قد خبت، وأراهم جادين في باطلهم، وأراكم وانين في حقكم، وأراهم مجتمعين، وأراكم متفرقين، وأراهم لصاحبهم معاوية مطيعين، وأراكم لي عاصين. أما والله لئن ظهروا عليكم بعدي لتجدنهم أرباب سوء، كأنهم والله عن قريب قد شاركوكم في بلادكم، وحملوا إلى بلادهم منكم، وكأني أنظر إليكم تكشون كشيش