يسمعونني وأنا أحاج أبا بكر فأقول: يا معشر قريش، أنا أحق بهذا الأمر منكم ما كان منا من يقرأ القرآن، ويعرف السنة، فخشوا إن وليت عليهم أن لا يكون لهم في هذا الأمر نصيب، فبايعوا إجماع رجل واحد، حتى صرفوا الأمر عني لعثمان، فأخرجوني منها، رجاء أن يتداولوها. حين يئسوا أن ينالوها، ثم قالوا لي: هلم فبايع عثمان. وإلا جاهدناك. فبايعت مستكرها. صبرت محتسبا، وقال قائلهم: إنك يا بن أبي طالب على الأمر لحريص، قلت لهم: أنتم أحرص. أما أنا إذا طلبت ميراث ابن أبي وحقه، وأنتم إذ دخلتم بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه، اللهم إني استعين بك على قريش، فإنهم قطعوا رحمي، وصغروا عظيم منزلتي وفضلي، واجتمعوا على منازعتي حقا كنت أولى به منهم فسلبونيه، ثم قالوا: اصبر كمدا، وعش متأسفا، فنظرت فإذا ليس معي رفاق ولا مساعد إلا أهل بيتي، فظننت بهم على الهلاك، فأغضيت عيني على القذى، وتجرعت رفيق على الشجا. وصبرت من كظم الغيظ على أمر من العلقم طعما، وآلم للقلب من حز الحديد، حتى إذا نقمتم على عثمان أتيتموه فقتلتموه، ثم جئتموني تبايعونني، فأبيت عليكم، وأبيتم علي، فنازعتموني ودافعتموني، ولم أمد يدي، تمنعا عنكم، ثم ازدحمتم علي، حتى ظننت أن بعضكم قاتل بعض، وأنكم قاتلي، وقلتم: لا نجد غيرك، ولا نرضى إلا بك، فبايعنا لا نفترق ولا نختلف، فبايعتكم ودعوتم الناس إلى بيعتي، فمن بايع طائعا قبلت منه، ومن أبى تركته، فأول من بايعني طلحة والزبير، ولو أبيا ما أكرهتهما، كما لم أكره غيرهما، فما لبثا إلا يسيرا حتى قيل لي: قد خرجا متوجهين إلى البصرة في جيش، ما منهم رجل إلا وقد أعطاني الطاعة، وسمح لي بالبيعة، فقاموا على عمالي بالبصرة وخزائن بيوت أموالي، وعلى أهل مصري، وكلهم في طاعتي، وعلى شيعتي، فشتتوا كلمتهم، وأفسدوا على جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي، فقتلوا طائفة منهم غدرا، وطائفة صبرا، وطائفة عصرا بأسيافهم، فضاربوهم حتى لقوا الله صابرين محتسبين، فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلا واحدا متعمدين لقتله، لحل لي بذلك قتل الجيش كله، مع أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا عليهم بها، فقد أدال الله منهم، فبعدا للقوم الظالمين. ثم إني نظرت بعد ذلك في أهل الشام، فإذا هم أعراب وأحزاب وأهل طمع، جفاة طغام، تجمعوا من كل أوب، ممن ينبغي أن يؤدب، ويولى عليه، ويؤخذ على
(١٧٦)