يا أمير المؤمنين، لقد قدمت القرآن، وأخرت الرجال، وجعلت الحكم لله. فقال علي: أما إني قد أخبرتكم أن هذا يكون بالأمس، وجهدت أن تبعثوا غير أبي موسى، فأبيتم علي، ولا سبيل إلى حرب القوم حتى تنقضي المدة، فصعد المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: قم يا حسن فتكلم في أمر هذين الرجلين: أبي موسى وعمرو. فقام الحسن، فتكلم، فقال: أيها الناس، قد أكثرتم في أمر أبي موسى وعمرو، وإنما بعثا ليحكما بالقرآن دون الهوى، فحكما بالهوى دون القرآن، فمن كان هكذا لم يكن حكما، ولكنه محكوم عليه، وقد كان من خطأ أبي موسى أن جعلها لعبد الله بن عمر، فأخطأ في ثلاث خصال: خالف (يعني أبا موسى) أباه عمر، إذ لم يرضه لها (1)، ولم يره أهلا لها، وكان أبوه أعلم به من غيره، ولا أدخله في الشورى إلا على أنه لا شئ له فيها، شرطا مشروطا من عمر على أهل الشورى، فهذه واحدة، وثانية: لم تجمع عليه المهاجرون والأنصار، الذين يعقدون الإمامة، ويحكمون على الناس، وثالثة: لم يستأمر الرجل في نفسه، ولا علم ما عنده من رد أو قبول (2). ثم جلس. ثم قال علي لعبد الله بن عباس، قم فتكلم. فقام عبد الله بن عباس، وقال: أيها الناس، إن للحق أناسا أصابوه بالتوفيق والرضا والناس بين راض به، وراغب عنه، وإنما سار أبو موسى بهدى إلى ضلال (3)، وسار عمرو بضلالة إلى هدى، فلما التقيا رجع أبو موسى عن هداه، ومضى عمرو على ضلاله، فوالله لو كانا حكما عليه بالقرآن لقد حكما عليه، ولئن كان حكما بهواهما على القرآن، ولئن مسكا بما سارا به لقد سار أبو موسى وعلي إمامه، وسار عمرو ومعاوية إمامه. ثم جلس فقال علي لعبد الله بن جعفر: قم فتكلم. فقام وقال: أيها الناس هذا أمر كان النظر فيه لعلي، والرضا فيه إلى غيره، جئتم بأبي موسى، فقلتم قد رضينا هذا، فارض به (4)، وأيم الله ما أصلحا بما فعلا الشام، ولا أفسدا العراق
(١٥٨)