ومنه يعلم قوة القول بالجواز مع وجود الكفاية كما تقدم القول به لولا الاجماع كلية أو في خصوص المقام، فإن القضاء الواجب كفاية إن كان يجوز أخذ الجعل عليه لم يمنع ذلك وجود الكفاية للقاضي وإن لم يكن كذلك لم يجوزه فقر القاضي، كما في سائر الواجبات الكفائية التي منها ما يجوز أخذ الأجر عليه مطلقا كالجهاد، ومنها ما لا يجوز كذلك كأكثر الواجبات الكفائية، والاحتياط مما لا يترك.
ولو فرض عدم الكفاية لجميع أفراد الواجب الكفائي ولم يتمكنوا من الجمع بين القضاء والتكسب على وجه التناوب فمقتضى ما ذكرنا من أدلة نفي الحرج وحرمة الضرر عدم وجوب التعرض مجانا لواحد منهم، وجواز أخذ الجعل على القضاء، جمعا بين الحقوق والأدلة، أو منعا لانصراف الأدلة المانعة (1).
ومما ذكرنا ظهر فساد الاستدلال للقائلين بالجواز مع عدم التعين بأنه لو تعدد القاضي واشتركوا في الضرورة فإن لم يجز لهم الأخذ لزم تعطيل الأحكام إن امتنعوا من الحكم واشتغلوا بالتكسب، وإن اشتغلوا أو بعضهم بالقضاء عن التكسب لزم الضرر أو التكليف بما لا يطاق.
ثم إن ما ذكرنا في المسألة ليس إحداث قول فيها، بل هو إما راجع إلى القول بعدم جواز الجعل مطلقا إلا أن صورة لزوم الحرج الشديد، بل الضرر المنهي خارج عن إطلاق كلماتهم كخروجه عن إطلاقهم في أكثر المسائل، وإما راجع إلى التفصيل بين وجدان الكفاية وعدمها، فإن الظاهر من بعض تحقق القول بجواز الأخذ في الثاني بقول مطلق.