وأما جواز أخذ العوض في مثل سقي المرأة اللبأ (1) وإعلاف الملتقط الضالة، فالفرق - مع كون العوض فيهما لعلف واللبن - إن الواجب فيهما ليس عنوان السقي والاعلاف، بل العنوان هو وجوب حفظ النفس المتحقق بالمعاوضة على السقي والاعلاف [ولذا لا يجوز إجبارهما على ذلك مجانا.
وبالجملة، فرق بين بين الأمر بالسقي وبين الأمر بحفظ النفي] (2) ولذا لو وجب بعض الصنائع كالخياطة والحجامة ونحوهما على شخص لعدم وجود غيره، لم يحرم عليه أخذ الأجرة عليها، لأن حفظ النفس لا يتوقف على التبرع بهذه الأعمال، بل يحصل بها وبالمعاوضة عليها. ولو فرضنا امتناع المعمول له عن المعاوضة لم يجبر العامل على التبرع، وإنما يجبر الممتنع على المعاوضة أو يعاوض عنه وليه الخاص أو العام، لأن المعاوضة واجبة عينا على المعمول له دون العامل (3).
فتأمل في المقام، حتى لا يختلط عليك ما ذكرنا بما ذكره بعضهم من أن كل واجب قد فهم من دليله المجانية لم يجز أخذ الأجرة عليه. وذلك لفساد هذا، أولا: بأن جميع الأدلة الدالة على وجوب العنوانات الخاصة مساوية في انفهام ذلك منها وعدمه، والمتحقق عدم انفهام ذلك في شئ منها للقطع أو الظن بعدم ملاحظة الآمر لهذه الصفة عند الأمر كما يستفاد من الأوامر العرفية.