والظاهر أن جواز استناد الشاهد في شهادته إلى الأصول على الوجه الثاني مما لا اشكال ولا خلاف فيه، ولولاه لما قام للمسلمين سوق، ولضاعت أكثر الحقوق، إذ عليه تبنى الأحكام، وبه تدور رحى الشهود والحكام.
وسيجئ السر الفارق بينه وبين الاستناد على الوجه الأول.
ثم إن ما يستند إليه على الوجه الأول على قسمين:
أحدهما: ما كلن بحيث لو ظهر لنفس الحاكم لحكم به للمشهود له، كالمثال المذكور في الوجه الأول، وهو ما إذا لم يعلم الشاهد إلا استدانة زيد من عمرو في الزمان الماضي فشهد على زيد باشتغال ذمته في الحال استنادا إلى استصحاب الاشتغال، فإن هذا الاستصحاب لو حصل لنفس الحاكم بأن يقطع بالاستدانة ويشك في الوفاء، حكم على زيد.
والثاني: ما كان بحيث لو ظهر لنفس الحاكم أو ظهر له استناد الشاهد إليه لم يحكم به للمشهود له، مثل ما لو تنازعا في صحة معاملة وفسادها وأقام كل منهما بينة وكان الحاكم ممن يذهب إلى ترجيح بينة الداخل، والمفروض أن مستند بينة الداخل في الشهادة بالصحة أصالة الصحة، ولا ريب أن الحاكم لا يحكم لمدعي الصحة بمجرد أصالة الصحة المعارضة ببينة الفساد، بل لو ظهر له استناد بينة الصحة إليها لم يحكم أيضا قطعا.
والظاهر أن الاشكال متحقق في كلا القسمين وإن كان منع الاستناد في القسم الثاني أسبق إلى الأذهان.
وكيف كان، فنحن نتكلم في القسم الأول ثم نتبعه بذكر حكم الثاني، فنقول: إذا استند الشاهد إلى الاستصحاب أو غيره من الأصول في اثبات المشهود به بحيث لو ثبت نفس ذلك المستند عند الحاكم حكم للمشهود له،