المواقف أمر عجيب، وهو أن المسلمين انهزموا عن خوارزم شاه وبقي معه عصابة قليلة من أصحابه، فقتل منهم كفار الخطأ من قتلوا، وأسروا خلقا منهم، وكان السلطان خوارزم شاه في جملة من أسروا، أسره رجل وهو لا يشعر به ولا يدري أنه الملك، وأسر معه أميرا يقال له مسعود، فلما وقع ذلك وتراجعت العساكر الاسلامية إلى مقرها فقدوا السلطان فاختبطوا فيما بينهم واختلفوا اختلافا كثيرا وانزعجت خراسان بكمالها، ومن الناس من حلف أن السلطان قد قتل، وأما ما كان من أمر السلطان وذاك الأمير فقال الأمير للسلطان: من المصلحة أن تترك اسم الملك عنك في هذه الحالة، وتظهر أنك غلام لي، فقبل منه ما قال وأشار به، ثم جعل الملك يخدم ذلك الأمير يلبسه ثيابه ويسقيه الماء ويصنع له الطعام ويضعه بين يديه، ولا يألو جهدا في خدمته، فقال الذي أسرهما: إني أرى هذا يخدمك فمن أنت؟ فقال: أنا مسعود الأمير، وهذا غلامي، فقال: والله لو علم الامراء أني قد أسرت أميرا وأطلقته لأطلقتك، فقال له: إني إنما أخشى على أهلي، فإنهم يظنون أني قد قتلت ويقيمون المأتم، فإن رأيت أن تفاديني على مال وترسل من يقبضه منهم فعلت خيرا، فقال: نعم، فعين رجلا من أصحابه فقال له الأمير مسعود: إن أهلي لا يعرفون هذا ولكن إن رأيت أن أرسل معه غلامي هذا فعلت ليبشرهم بحياتي فإنهم يعرفونه، ثم يسعى في تحصيل المال، فقال: نعم، فجهز معهما من يحفظهما إلى مدينة خوارزم شاه. فلما دنوا من مدينة خوارزم سبق الملك إليها. فلما رآه الناس فرحوا به فرحا شديدا، ودقت البشائر في سائر بلاده، وعاد الملك إلى نصابه، واستقر السرور بإيابه، وأصلح ما كان وهى من مملكته بسبب ما اشتهر من قتله، وحاصر هراة وأخذها عنوة. وأما الذي كان قد أسره فإنه قال يوما للأمير مسعود الذي يتوجه لي وينوهون به أن خوارزم شاه قد قتل، فقال: لا، هو الذي كان في أسرك، فقال له: فهلا أعلمتني به حتى كنت أرده موقرا معظما؟
فقال: خفتك عليه، فقال: سر بنا إليه، فسارا إليه فأكرمهما إكراما زائدا، وأحسن إليهما. وأما غدر صاحب سمرقند فإنه قتل كل من كان في أسره من الخوارزمية، حتى كان الرجل يقطع قطعتين ويعلق في السوق كما تعلق الأغنام، وعزم على قتل زوجته بنت خوارزم شاه ثم رجع عن قتلها وحبسها في قلعة وضيق عليها، فلما بلغ الخبر إلى خوارزم شاه سار إليه في الجنود فنازله وحاصر سمرقند فأخذها قهرا وقتل من أهلها نحوا من مائتي ألف، وأنزل الملك من القلعة وقتله صبرا بين يديه، ولم يترك له نسلا ولا عقبا، واستحوذ خوارزم شاه على تلك الممالك التي هنالك، وتحارب الخطأ وملك التتار كشلي خان المتاخم لمملكة الصين، فكتب ملك الخطأ لخوارزم شاه يستنجده على التتار ويقول: متى غلبونا خلصوا إلى بلادك، وكذا وكذا. وكتب التتار إليه أيضا يستنصرونه على الخطأ ويقولون: هؤلاء أعداؤنا وأعداؤك، فكن معنا عليهم، فكتب إلى كل من الفريقين يطيب قلبه، وحضر الوقعة بينهم وهو متحيز عن الفريقين، وكانت الدائرة على الخطأ، فهلكوا إلا القليل منهم، وغدر التتار ما كانوا عاهدوا عليه خوارزم شاه، فوقعت بينهم الوحشة الأكيدة، وتواعدوا للقتال، وخاف منهم خوارزم شاه وخرب بلادا كثيرة متاخمة لبلاد كشلي خان خوفا عليها أن يملكها،