الملك وحرمة وافرة، وفي صحبته وزيره ابن السلعوس والجيوش المنصورة، وفي هذا اليوم استناب بالشام الأمير علم الدين سنجر الشجاعي، وسكن بدار السعادة، وزيد في إقطاعه حرستا ولم تقطع لغيره، وإنما كانت لمصالح حواصل القلعة، وجعل له في كل يوم ثلاثمائة على دار الطعام، وفوض إليه أن يطلق من الخزانة ما يريد من غير مشاورة ولا مراجعة، وأرسله السلطان إلى صيدا لأنه كان قد بقي بها برج عصي، ففتحه ودقت البشائر بسببه، ثم عاد سريعا إلى السلطان فودعه، وسار السلطان نحو الديار المصرية في أواخر رجب، وبعثه إلى بيروت ليفتحها فسار إليها ففتحها في أقرب وقت، وسلمت عثلية (1) وانطرطوس وجبيل. ولم يبق بالسواحل ولله الحمد معقل للفرنج إلا بأيدي المسلمين، وأراح الله منهم البلاد والعباد، ودخل السلطان إلى القاهرة في تاسع شعبان في أبهة عظيمة جدا، وكان يوما مشهودا. وأفرج عن بدر الدين بيسرى بعد سجن سبع سنين.
ورجع علم الدين سنجر الشجاعي نائب دمشق إلى دمشق في سابع عشرين الشهر المذكور، وقد نظف السواحل من الفرنج بالكلية، ولم يبق لهم بها حجر. وفي رابع رمضان أفرج عن حسام الدين لاجين من قلعة صفد ومعه جماعة أمراء، ورد عليهم إقطاعاتهم، وأحسن إليهم وأكرمهم (2).
وفي أوائل رمضان طلب القاضي بدر الدين بن جماعة من القدس الشريف وهو حاكم به، وخطيب فيه، على البريد إلى الديار المصرية فدخلها في رابع عشرة، وأفطر ليلتئذ عند الوزير ابن السلعوس وأكرمه جدا واحترمه، وكانت ليلة الجمعة، فصرح الوزير بعزل تقي الدين ابن بنت الأعز وتولية ابن جماعة بالديار المصرية قضاء القضاة، وجاء القضاة إلى تهنئته وأصبح الشهود بخدمته (3)، ومع القضاء خطابة الجامع الأزهر، وتدريس الصالحية، وركب في الخلعة والطرحة ورسم لبقية القضاة أن يستمروا بلبس الطرحات، وذهب فخطب بالجامع الأزهر، وانتقل إلى الصالحية ودرس بها في الجمعة الأخرى وكان درسا حافلا، ولما كان يوم الجمعة رسم السلطان للحاكم بأمر الله أن يخطب هو بنفسه الناس يومئذ وأن يذكر في خطبته أنه قد ولى السلطنة للأشرف