وحسن أخلاق وجود وحياء وحسن سمت ونور وبهاء وكثرة تلاوة وصلاة وصيام وقيام وطريقة حسنة واتباع للسلف الصالح، وكانت له أحوال ومكاشفات، وقد قال الشافعي رحمه الله تعالى: إن لم تكن العلماء العاقلون أولياء الله فلا أعلم لله وليا، وكان يؤم الناس للصلاة في محراب الحنابلة هو والشيخ العماد، فلما توفي العماد استقل هو بالوظيفة، فإن غاب صلى عنه أبو سليمان بن الحافظ عبد الرحمن بن الحافظ عبد الغني، وكان يتنفل بين العشاءين بالقرب من محرابه، فإذا صلى العشاء انصرف إلى منزله بدرب الدولعي بالرصيف وأخذ معه من الفقراء من تيسر يأكلون معه من طعامه، وكان منزله الأصلي بقاسيون فينصرف بعض الليالي بعد العشاء إلى الجبل، فاتفق في بعض الليالي أن خطف رجل عمامته وكان فيها كاغد فيه رمل، فقال له الشيخ: خذ الكاغد وألق العمامة، فظن الرجل أن ذلك نفقة فأخذه وألقى العمامة. وهذا يدل على ذكاء مفرط واستحضار حسن في الساعة الراهنة، حتى خلص عمامته من يده بتلطف. وله مصنفات عديدة مشهورة، منها المغني في شرح مختصر الخرقي في عشرة مجلدات، والشافي في مجلدين والمقنع للحفظ، والروضة في أصول الفقه، وغير ذلك من التصانيف المفيدة، وكانت وفاته في يوم عيد الفطر في هذه السنة، وقد بلغ الثمانين، وكان يوم سبت وحضر جنازته خلق كثير، ودفن بتربته المشهورة، ورئيت له منامات صالحة رحمه الله تعالى، وكان له أولاد ذكور وإناث، فلما كان حيا ماتوا في حياته. ولم يعقب منهم سوى ابنه عيسى ولدين ثم ماتا وانقطع نسله، قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي: نقلت من خط الشيخ موفق رحمه الله تعالى:
لا تجلسن بباب من * يأبى عليك وصول داره وتقول حاجاتي إليه * يعوقها إن لم أداره واتركه واقصد ربها * تقضى ورب الدار كاره ومما أنشده الشيخ موفق الدين لنفسه رحمه الله تعالى ورضي عنه قوله:
أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا * سوى القبر، إني إن فعلت لأحمق يخبرني شيبي بأني ميت * وشيكا, فينعاني إلي ويصدق يخرق عمري كل يوم وليلة * فهل مستطاع رقع (1) ما يتخرق كأني بجسمي فوق نعشي ممددا * فمن ساكت أو معول يتحرق إذا سئلوا عني أجابوا وعولوا * وأدمعهم تنهل هذا الموفق وغيبت في صدع من الأرض ضيق * وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق ويحثو علي الترب أوثق صاحب * ويسلمني للقبر من هو مشفق