إلى الامراء [يلومهم] على ما فعلوا من نقل الولد من دمشق إلى حلب، ومن حبسهم بني الداية وهم من خيار الامراء ورؤس الكبراء، ولم لا يسلموا الولد إلى مجد الدين بن الداية الذي هو أحظى عند نور الدين وعند الناس منهم. فكتبوا إليه يسيئون الأدب عليه، وكل ذلك يزيده حنقا عليهم، ويحرضه على القدوم إليهم، ولكنه في الوقت في شغل شاغل لما دهمه ببلاد مصر من الامر الهائل، كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في أول السنة الآتية.
وممن توفي فيها من الأعيان والمشاهير:
الحسن (1) بن الحسن ابن أحمد بن محمد العطار، أبو العلاء الهمداني الحافظ، سمع الكثير ورحل إلى بلدان كثيرة، اجتمع بالمشايخ وقدم بغداد وحصل الكتب الكثيرة، واشتغل بعلم القراءات واللغة، حتى صار أوحد زمانه في علمي الكتاب والسنة، وصنف الكتب الكثيرة المفيدة، وكان على طريقة حسنة سخيا عابدا زاهدا صحيح الاعتقاد حسن السمت، له ببلده المكانة والقبول التام، وكانت وفاته ليلة الخميس الحادي عشر من جمادى الآخرة (2) من هذه السنة، وقد جاوز الثمانين بأربعة أشهر وأيام.
قال ابن الجوزي: وقد بلغني أنه رئي في المنام أنه في مدينة جميع جدرانها كتب وحوله كتب لا تعد ولا تحصى، وهو مشتغل بمطالعتها، فقيل له: ما هذا؟ فقال سألت الله أن يشغلني بما كنت أشتغل به في الدنيا فأعطاني. وفيها توفي:
الأهوازي خازن كتب مشهد أبي حنيفة ببغداد، توفي فجأة في ربيع الأول من هذه السنة.
محمود بن زنكي بن آقسنقر السلطان الملك العادل نور الدين، صاحب بلاد الشام وغيرها من البلدان الكثيرة الواسعة، كان مجاهدا في الفرنج، آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر، محبا للعلماء والفقراء والصالحين، مبغضا للظلم، صحيح الاعتقاد مؤثرا لافعال الخير، لا يجسر أحد أن يظلم أحدا في زمانه، وكان قد قمع المناكر وأهلها، ورفع العلم والشرع، وكان مدمنا لقيام الليل يصوم كثيرا، ويمنع نفسه عن