الدولة، وخلف خمسمائة ألف دينار، وقام ابنه سنان بعده، وتقوى بعمه قرواش، واستقامت أموره، توفي بالكرخ سابور عن سبعين سنة.
ثم دخلت سنة ست وعشرين وأربعمائة في محرمها كثر تردد الاعراب في قطع الطرقات إلى حواشي بغداد وما حولها، بحيث كانوا يسلبون النساء ما عليهن، ومن أسروه أخذوا ما معه وطالبوه بفداء نفسه، واستفحل أمر العيارين وكثرت شرورهم، وفي مستهل صفر زادت دجلة بحيث ارتفع الماء على الضياع ذراعين، وسقط من البصرة في مدة ثلاثة نحو من ألفي دار. وفي شعبان منها ورد كتاب من مسعود بن محمود بأنه قد فتح فتحا عظيما في الهند، وقتل منهم خمسين ألفا وأسر تسعين ألفا، وغنم شيئا كثيرا، ووقعت فتنة بين أهل بغداد والعيارين، ووقع حريق في أماكن من بغداد، واتسع الخرق على الراقع، ولم يحج أحد من هؤلاء ولا من أهل خراسان.
وممن توفي فيها من الأعيان....
أحمد بن كليب الشاعر وهو أحد من هلك بالعشق، روى ابن الجوزي في المنتظم بسنده أن أحمد بن كليب هذا المسكين المغتر عشق غلاما يقال له أسلم بن أبي الجعد، من بني خلد (1) وكان فيهم وزارة، أي كانوا وزراء للملوك وحجابا، فأنشد فيه أشعارا تحدث الناس بها، وكان هذا الشاب أسلم يطلب العلم في مجالس المشايخ فلما بلغه عن ابن كليب ما قال فيه استحى من الناس وانقطع في دارهم، وكان لا يجتمع بأحد من الناس، فازداد غرام ابن كليب به حتى مرضا شديدا، بحيث عاده منه الناس، ولا يدرون ما به، وكان في جملة من عاده بعض المشايخ من العلماء، فسأله عن مرضه فقال: أنتم تعلمون ذلك، ومن أي شئ مرضي، وفي أي شئ دوائي، لو زارني أسلم ونظر إلى نظرة ونظرته نظرة واحدة لبرأت، فرأى ذلك العالم من المصلحة أن لو دخل على أسلم وسأله أن يزوره ولو مرة واحدة مختفيا، ولم يزل ذلك الرجل العالم بأسلم حتى أجابه إلى زيارته، فانطلقا إليه فلما دخلا دربه ومحلته تجبن الغلام واستحى من الدخول عليه، وقال للرجل العالم: لا أدخل عليه، وقد ذكرني ونوه باسمي، وهذا مكان ريبة وتهمة، وأنا لا أحب أن أدخل مداخل التهم، فحرص به الرجل كل الحرص ليدخل عليه فأبى عليه، فقال له: إنه ميت لا محالة، فإذا دخلت عليه أحييته.