وكان ذلك آخر عهده بمصر، وأغار بطريقه على بعض نواحي بلاد الإفرنج، وقد جعل أخاه تاج الملوك بوري بن أيوب على الميمنة، فالتقوا على الأزرق بعد سبعة أيام، وقد أغار عز الدين فروخ شاه على بلاد طبرية وافتتح حصونا جيدة، وأسر منهم خلقا، واغتنم عشرين ألفا رأس من الانعام، ودخل الناصر دمشق سابع (1) صفر ثم خرج منها في العشر الأول من ربيع الأول، فاقتتل مع الفرنج في نواحي طبرية وبيسان تحت حصن كوكب، فقتل خلق من الفريقين، وكانت النصرة للمسلمين على الفرنج، ثم رجع إلى دمشق مؤيدا منصورا، ثم ركب قاصدا حلب وبلاد الشرق ليأخذها وذلك أن المواصلة والحلبيين كاتبوا الفرنج على حرب المسلمين، فغارت الفرنج على بعض أطراف البلاد ليشغلوا الناصر عنهم بنفسه، فجاء إلى حلب فحاصرها ثلاثا، ثم رأى العدول عنها إلى غيرها أولى، فسار حتى بلغ الفرات، واستحوذ على بلاد الجزيرة والرها والرقة ونصيبين، وخضعت له الملوك، ثم عاد إلى حلب فتسلمها من صاحبها عماد الدين زنكي، فاستوثقت له الممالك شرقا وغربا، وتمكن حينئذ من قتال الفرنج.
فصل ولما عجز ابرنس الكرك عن إيصال الأذى إلى المسلمين في البر، عمل مراكب في بحر القلزم ليقطعوا الطريق على الحجاج والتجار، فوصلت أذيتهم إلى عيذاب، وخاف أهل المدينة النبوية من شرهم، فأمر الملك العادل الأمير حسام الدين لؤلؤ صاحب الأسطول أن يعمل مراكبه في بحر القلزم ليحارب أصحاب الابرنس، ففعل ذلك فظفر بهم في كل موطن، فقتلوا منهم وحرقوا وغرقوا وسبوا في مواطن كثيرة، ومواقف هائلة، وأمن البر والبحر بإذن الله تعالى، وأرسل الناصر إلى أخيه العادل ليشكر ذلك عن مساعيه، وأرسل إلى ديوان الخليفة يعرفهم بذلك.
فصل في وفاة المنصور عز الدين فروخ شاه بن شاهنشاه بن أيوب صاحب بعلبك ونائب دمشق لعمه الناصر، وهو والد الأمجد بهرام شاه صاحب بعلبك بعد أبيه، وإليه تنسب المدرسة الفروخ شاهية بالشرق الشمالي بدمشق، وإلى جانبها التربة الأمجدية لولده، وهما وقف على الحنفية والشافعية، وقد كان فروخ شاه شجاعا شهما عاقلا ذكيا كريما ممدحا، امتدحه الشعراء لفضله وجوده، وكان من أكبر أصحاب الشيخ تاج الدين أبي اليمن الكندي، عرفه من مجلس القاضي الفاضل، فانتمى إليه، وكان يحسن إليه، وله وللعماد الكاتب فيه مدائح، وكان ابنه الأمجد شاعرا جيدا، ولاه عم أبيه صلاح الدين بعلبك بعد