الشهوات، وكان يحب التيسير على المسلمين، ويرسل البر إلى العلماء والفقراء والمساكين والأيتام والأرامل، وليست الدنيا عنده بشئ رحمه الله وبل ثراه بالرحمة والرضوان. قال ابن الجوزي:
استرجع نور الدين محمود بن زنكي رحمه الله تعالى من أيدي الكفار نيفا وخمسين مدينة، وقد كان يكاتبني وأكاتبه، قال: ولما حضرته الوفاة أخذ العهد على الامراء من بعده لولده - يعني الصالح إسماعيل - وجدد العهد مع صاحب طرابلس أن لا يغير على الشام في المدة التي كان مادة فيها، وذلك أنه كان قد أسره في بعض غزواته وأسر معه جماعة من أهل دولته، فافتدى نفسه منه بثلاثمائة ألف دينار وخمسمائة حصان وخمسمائة وردية ومثلها برانس، أي لبوس، وقنطوريات وخمسمائة أسير من المسلمين، وعاهده أن لا يغير على بلاد المسلمين لمدة سبعة سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام. وأخذ منه رهائن على ذلك مائة من أولاده وأولاد أكابر الفرنج وبطارقتهم، فإن نكث أراق دماءهم، وكان قد عزم على فتح بيت المقدس شرفه الله، فوافته المنية في شوال من هذه السنة، والأعمال بالنيات، فحصل له أجر ما نوى، وكانت ولايته ثمان وعشرين سنة وأشهرا، وقد تقدم ذلك. وهذا مقتضى ما ذكره ابن الجوزي ومعناه.
الخضر بن نصر علي بن نصر الأربلي الفقيه الشافعي، أول من درس بإربل في سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وكان فاضلا دينا، انتفع به الناس، وكان قد اشتغل على الكيا الهراسي وغيره ببغداد، وقدم دمشق فأرخه ابن عساكر في هذه السنة، وترجمه ابن خلكان في الوفيات (1)، وقال قبره يزار، وقد زرته غير مرة، ورأيت الناس ينتابون قبره ويتبركون به، وهذا الذي قاله ابن خلكان مما ينكره أهل العلم عليه وعلى أمثاله ممن يعظم القبور. وفيها هلك ملك الفرنج مري لعنه الله، وأظنه ملك عسقلان ونحوها من البلاد، وقد كان قارب أن يملك الديار المصرية لولا فضل الله ورحمته بعباده المؤمنين.
ثم دخلت سنة سبعين وخمسمائة استهلت والسلطان الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب قد عزم على الدخول إلى بلاد الشام لأجل حفظه من الفرنج، ولكن دهمه أمر شغله عنه، وذلك أن الفرنج قدموا إلى الساحل المصري في أسطول لم يسمع بمثله، وكثرة مراكب وآلات من الحرب والحصار والمقاتلة، من جملة ذلك مائتي شيني (2) في كل منها مائة وخمسون مقاتلا، وأربعمائة قطعة أخرى، وكان قدومهم من صقلية إلى