ابن حزم الظاهري هو الامام الحافظ العلامة، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف بن معد بن سفيان بن يزيد، مولى يزيد بن أبي سفيان صخر بن حرب الأموي، أصل جده من فارس، أسلم وخلف المذكور، وهو أول من دخل بلاد المغرب منهم، وكانت بلدهم قرطبة، فولد ابن حزم هذا بها في سلخ رمضان، سنة أربع وثمانين وثلاثمائة، فقرأ القرآن واشتغل بالعلوم النافعة الشرعية، وبرز فيها وفاق أهل زمانه، وصنف الكتب المشهورة، يقال إنه صنف أربعمائة مجلد في قريب من ثمانين ألف ورقة، وكان أديبا طبيبا شاعرا فصيحا، له في الطب والمنطق كتب، وكان من بيت وزارة ورياسة، ووجاهة ومال وثروة، وكان مصاحبا للشيخ أبي عمر بن عبد البر النمري، وكان مناوئا للشيخ أبي الوليد سليمان بن خلف الباجي، وقد جرت بينهما مناظرات يطول ذكرها، وكان ابن حزم كثير الوقيعة في العلماء بلسانه وقلمه، فأورثه ذلك حقدا في قلوب أهل زمانه، وما زالوا به حتى بغضوه إلى ملوكهم، فطردوه عن بلاده، حتى كانت وفاته في قرية له في شعبان من هذه السنة وقد جاوز التسعين (1). والعجب كل العجب منه أنه كان ظاهريا حائرا في الفروع، لا يقول: بشئ من القياس لا الجلي ولا غيره، وهذا الذي وضعه عند العلماء، وأدخل عليه خطأ كبيرا في نظره وتصرفه وكان مع هذا من أشد الناس تأويلا في باب الأصول، وآيات الصفات وأحاديث الصفات، لأنه كان أولا قد تضلع من علم المنطق، أخذه عن محمد بن الحسن المذحجي الكناني القرطبي، ذكره ابن ماكولا وابن خلكان، ففسد بذلك حاله في باب الصفات.
عبد الواحد بن علي بن برهان أبو القاسم النحوي، كان شرس الأخلاق جدا، لم يلبس سراويل قط ولا غطى رأسه ولم يقبل عطاء لاحد، وذكر عنه أنه كان يقبل المردان من غير ريبة. قال ابن عقيل: وكان على مذهب مرجئة المعتزلة وينفي خلود الكفار في النار، ويقول: دوام العقاب في حق من لا يجوز عليه التشفي لا وجه له، مع ما وصف الله به نفسه من الرحمة، ويتأول قوله تعالى (خالدين فيها أبدا) [التوبة: 100] أي أبدا من الآباد. قال ابن الجوزي: وقد كان ابن برهان يقدح في أصحاب أحمد ويخالف اعتقاد المسلمين لأنه قد خالف الاجماع، ثم ذكر كلامه في هذا وغيره والله أعلم.
ثم دخلت سنة سبع وخمسين وأربعمائة فيها سار جماعة من العراق إلى الحج بخفارة، فلم يمكنهم المسير فعدلوا إلى الكوفة ورجعوا.