فقصد عمه قرواشا فأقره وساعده على أموره. وفيها هلك ملك الروم أرمانوس، فملكهم رجل ليس من بيت ملكهم، قد كان صيرفيا في بعض الأحيان، إلا أنه كان من سلالة الملك قسطنطين. وفيها كثرت الزلازل بمصر والشام فهدمت شيئا كثيرا، ومات تحت الردم خلق كثير، وانهدم من الرملة ثلثها، وتقطع جامعها تقطيعا، وخرج أهلها منها هاربين، فأقاموا بظاهرها ثمانية أيام، ثم سكن الحال فعادوا إليها، وسقط بعض حائط بيت المقدس، ووقع من محراب داود قطعة كبيرة، ومن مسجد إبراهيم قطعة، وسلمت الحجرة، وسقطت منارة عسقلان، ورأس منارة غزة، وسقط نصف بنيان نابلس، وخسف بقرية البارزاد وبأهلها وبقرها وغنمها، وساخت في الأرض. وكذلك قرى كثيرة هنالك، وذكر ذلك ابن الجوزي. ووقع غلاء شديد ببلاد إفريقية، وعصفت ريح سوداء بنصيبين فألقت شيئا كثيرا من الأشجار كالتوت والجوز والعناب، واقتلعت قصرا مشيدا بحجارة وآجر وكلس فألقته وأهله فهلكوا، ثم سقط مع ذلك مطر أمثال الأكف، والزنود والأصابع، وجزر البحر من تلك الناحية ثلاث فراسخ، فذهب الناس خلف السمك فرجع البحر عليهم فهلكوا.
وفيها كثر الموت بالخوانيق حتى كان يغلق الباب على من في الدار كلهم موتى، وأكثر ذلك كان ببغداد، فمات من أهلها في شهر ذي الحجة سبعون ألفا. وفيها وقعت الفتنة بين السنة والروافض حتى بين العيارين من الفريقين من ابنا الأصفهاني وهما مقدمي عيارين أهل السنة، منعا أهل الكرخ من ورود ماء دجلة فضاق عليهم الحال، وقتل ابن البرجمي وأخوه في هذه السنة. ولم يحج أحد من أهل العراق.
وفيها توفي من الأعيان...
أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الحافظ أبو بكر المعروف بالبرقاني (1)، ولد سنة ثلاث (2) وثلاثين وثلاثمائة، وسمع الكثير، ورحل إلى البلاد، وجمع كتبا كثيرة جدا، وكان عالما بالقرآن والحديث والفقه والنحو، وله مصنفات في الحديث حسنة نافعة. قال الأزهري، إذا مات البرقاني ذهب هذا الشأن، وما رأيت أتقن منه.
وقال غيره: ما رأيت أعبد منه في أهل الحديث. توفي يوم الخميس مستهل رجب، وصلى عليه أبو علي بن أبي موسى الهاشمي، ودفن في مقبرة الجامع ببغداد، وقد أورد له ابن عساكر من شعره:
أعلل نفسي بكتب الحديث * وأجمل فيه لها الموعدا وأشغل نفسي بتصنيفه * وتخريجه دائما سرمدا