وفي ذي الحجة منها شرع في بناء المدرسة النظامية، ونقض لأجلها دور كثيرة من مشرعة الزوايا، وباب البصرة وفيها كانت حروب كثيرة بين تميم بن المعز بن باديس (1)، وأولاد حماد، والعرب والمغاربة بصنهاجة وزناتة. وحج بالناس من بغداد النقيب أبو الغنائم.
وفيها كان مقتل عميد الملك الكندري، وهو منصور بن محمد أبو نصر الكندري، وزير طغرلبك، وكان مسجونا سنة تامة، ولما قتل حمل فدفن عند أبيه بقرية كندرة (2)، من عمل طريثيث وليست بكندرة التي هي بالقرب من قزوين. واستحوذ السلطان على أمواله وحواصله، وقد كان ذكيا فصيحا شاعرا، لديه فضائل جمة، حاضر الجواب سريعه. ولما أرسله طغرلبك إلى الخليفة يطلب ابنته، وامتنع الخليفة من ذلك وأنشد متمثلا بقول الشاعر * ما كل ما يتمنى المرء يدركه * فأجابه الوزير تمام قوله * تجري الرياح بما لا تشتهي السفن * فسكت الخليفة وأطرق. قتل عن نيف وأربعين سنة. ومن شعره قوله:
إن كان في الناس ضيق عن منافستي (3) * فالموت قد وسع الدنيا على الناس مضيت والشامت المغبون يتبعني * كل لكأس المنايا شارب حاسي وقد بعثه للملك طغرلبك يخطب له امرأة خوارزم شاه فتزوجها هو، فخصاه الملك وأمره على عمله فدفن ذكره بخوارزم، وسفح دمه حين قتل بمرو الروذ، ودفن جسده بقريته، وحمل رأسه فدفن بنيسابور، ونقل قحف رأسه إلى كرمان، وأنا أشهد أن الله جامع الخلائق إلى ميقات يوم معلوم أين كانوا، وحيث كانوا، وعلى أي صفة كانوا سبحانه وتعالى.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وأربعمائة في يوم عاشوراء أغلق أهل الكرخ دكاكينهم وأحضروا نساء ينحن على الحسين، كما جرت به عادتهم السالفة في بدعتهم المتقدمة المخالفة، فحين وقع ذلك أنكرته العامة، وطلب الخليفة أبا الغنائم وأنكر عليه ذلك. فاعتذر إليه بأنه لم يعلم به، وأنه حين علم أزاله، وتردد أهل الكرخ إلى الديوان يعتذرون من ذلك، وخرج التوقيع بكفر من سب الصحابة وأظهر البدع. قال ابن الجوزي: في ربيع الأول ولد بباب الأزج صبية لها رأسان ووجهان ورقبتان وأربع أيد، على بدن كامل ثم ماتت. قال: وفي جمادى الآخرة كانت بخراسان زلزلة مكثت أياما، تصدعت منها