بالخلع ليكون في خدمته إلى الديار المصرية، وفي صحبته إلى الحجاز، فدخل السلطان مصر وتلقاه الجيش، وأما شيخ الشيوخ فإنه لم يقم بها إلا قليلا حتى توجه إلى الحجاز في البحر، فأدرك الصيام في المسجد الحرام.
وفيها سار قراقوش التقوى إلى المغرب فحاصر بها فاس وقلاعا كثيرة حولها، واستحوذ على أكثرها، واتفق له أنه أسر من بعض الحصون غلاما أسود فأراد قتله فقال له أهل الحصن لا تقتله وخذ لك ديته عشرة آلاف دينار، فأبى فأوصله إلى مائة ألف، فأبى إلا قتله فقتله، فلما قتله نزل صاحب الحصن وهو شيخ كبير ومعه مفاتيح ذلك الحصن، فقال له خذ هذه فإني شيخ كبير، وإنما كنت أحفظه من أجل هذا الصبي الذي قتلته، ولي أولاد أخ أكره أن يملكوه بعدي، فأقره فيه وأخذ منه أموالا كثيرة.
وفيها توفي من الأعيان..
الحافظ أبو طاهر السلفي أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفة الحافظ الكبير المعمر، أبو طاهر السلفي الأصبهاني، وإنما قيل له السلفي لحده إبراهيم سلفة، لأنه كان مشقوق إحدى الشفتين، وكان له ثلاث شفاه فسمته الأعاجم لذلك، قال ابن خلكان: وكان يلقب بصدر الدين، وكان شافعي المذهب، ورد بغداد واشتغل بها على الكيا الهراسي، وأخذ اللغة عن الخطيب أبي زكريا. يحيى بن علي التبريزي سمع الحديث الكثير ورحل في طلبه إلى الآفاق ثم نزل ثغر الإسكندرية في سنة إحدى عشرة وخمسمائة، وبنى له العادل أبو الحسن علي بن السلار وزير الخليفة الظافر مدرسة، وفوضها إليه، فهي معروفة به إلى الآن. قال ابن خلكان: وأما أماليه وكتبه وتعاليقه فكثيرة جدا، وكان مولده فيما ذكر المصريون سنة ثنتين وسبعين وأربعمائة، ونقل الحافظ عبد الغني عنه أنه قال: أذكر مقتل نظام الملك في سنة خمس وثمانين وأربعمائة ببغداد، وأنا ابن عشر تقريبا، ونقل أبو القاسم الصفراوي أنه قال:
مولدي بالتخمين لا باليقين سنة ثمان وسبعين، فيكون مبلغ عمره ثمانيا وتسعين سنة، لأنه توفي ليلة الجمعة خامس ربيع الآخر سنة ست وسبعين وخمسمائة بثغر الإسكندرية والله أعلم، ودفن بوعلة وفيها جماعة من الصالحين. وقد رجح ابن خلكان قول الصفراوي، قال: ولم يبلغنا من ثلاثمائة أن أحدا جاوز المائة إلا القاضي أبا الطيب الطبري، وقد ترجمه ابن عساكر في تاريخه ترجمة حسنة، وإن كان قد مات قبله بخمس سنين، فذكر رحلته في طلب الحديث ودورانه في الأقاليم، وأنه كان يتصوف أولا ثم أقام بثغر الإسكندرية وتزوج بامرأة ذات يسار، فحسنت حاله، وبنت عليه مدرسة هناك، وذكر طرفا من أشعاره منها قوله:
أتأمن إلمام المنية بغتة * وأمن الفتى جهل وقد خبر الدهرا