مصر قاصدا بلاد الشام، فدخل دمشق في رابع عشر (1) شوال، وصحبته العماد الكاتب، وتأخر القاضي الفاضل بمصر لأجل الحج.
وفيها جاء كتاب القاضي الفاضل الناصر يهنئه بوجود مولود وهو أبو سليمان داود (2)، وبه كمل له اثني عشر ذكرا، وقد ولد له بعده عدة أولاد ذكور، فإنه توفي عن سبعة عشر ذكرا وابنة صغيرة اسمها مؤنسة، التي تزوجها ابن عمها الملك الكامل محمد بن العادل، كما سيأتي بيان ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى.
وفيها جرت فتنة عظيمة بين اليهود والعامة ببغداد، بسبب أن مؤذنا أذن عند كنيسة فنال منه بعض اليهود بكلام أغلظ له فيه، فشتمه المسلم فاقتتلا، فجاء المؤذن يشتكي منه إلى الديوان، فتفاقم الحال، وكثرت العوام، وأكثروا الضجيج، فلما حان وقت الجمعة منعت العامة الخطباء في بعض الجوامع، وخرجوا من فورهم فنهبوا سوق العطارين الذي فيه اليهود، وذهبوا إلى كنيسة اليهود فنهبوها، ولم يتمكن الشرط من ردهم، فأمر الخليفة بصلب بعض العامة، فأخرج في الليل جماعة من الشطار الذين كانوا في الحبوس وقد وجب عليهم القتل فصلبوا، فظن كثير من الناس أن هذا كان بسبب هذه الكائنة، فسكن الناس. وفيها خرج الوزير الخليفة عضد الدولة ابن رئيس الرؤساء ابن المسلمة قاصدا الحج، وخرج الناس في خدمته ليودعوه فتقدم إليه ثلاثة من الباطنية في صورة فقراء ومعهم قصص، فتقدم أحدهم ليناوله قصة فاعتنقه وضربه بالسكين ضربات، وهجم الثاني وكذلك الثالث عليه فهبروه وجرحوا جماعة حوله، وقتل الثلاثة من فورهم، ورجع الوزير إلى منزله محمولا فمات من يومه، وهذا الوزير هو الذي قتل ولدي الوزير ابن هبيرة وأعدمهما، فسلط الله عليه من قتله، وكما تدين تدان، جزاء وفاقا.
وممن توفي فيها من الأعيان..
صدقة بن الحسين أبو الفرج الحداد، قرأ القرآن وسمع الحديث، وتفقه وأفتى، وقال الشعر وقال في الكلام، وله تاريخ ذيل على شيخه ابن الزاغوني، وفيه غرائب وعجائب. قال ابن الساعي: كان شيخا عالما فاضلا وكان فقيرا يأكل من أجرة النسخ، وكان يأوي إلى مسجد ببغداد عند البدرية يؤم فيه، وكان يعتب على الزمان وبنيه، ورأيت ابن الجوزي في المنتظم يذمه ويرميه بالعظائم، وأورد له من أشعاره