ولم أك في الشدائد مستكينا * أقول لها ألا كفي كفاني ولكني صليب العود عود * ربيط الجأش مجتمع الجنان أبي النفس لا أختار رزقا * يجئ بغير سيفي أو سناني فعز في لظى باغيه يهوى * ألذ من المذلة في الجنان وقد ترجمه ابن عساكر في تاريخه ترجمة حسنة كعادته وأورد له من شعره قوله لا يغبطن أخا الدنيا لزخرفها * ولا للذة عيش عجلت فرحا فالدهر أسرع شئ في تقلبه * وفعله بين للخلق قد وضحا كم شارب عسلا فيه منيته * وكم مقلد سيفا من قربه ذبحا توفي يوم الاثنين (1) ضحى من ذي الحجة منها، وله ثنتان وسبعون سنة، في حجرة كان يسكنها بدرب السلسلة، جوار المدرسة النظامية، واحتفل الناس بجنازته، وحمل نعشه فيمن حمل الشيخ أبو إسحاق الشيرازي، ودفن إلى جانب قبر بشر الحافي، في قبر رجل كان قد أعده لنفسه، فسئل أن يتركه للخطيب فشح به ولم تسمح نفسه، حتى قال له بعض الحاضرين: بالله عليك لو جلست أنت والخطيب إلى بشر أيكما كان يجلسه إلى جانبه؟ فقال: الخطيب، فقيل له: فاسمح له به، فوهبه منه فدفن فيه رحمه الله وسامحه، وهو ممن قيل فيه وفي أمثاله قول الشاعر:
ما زلت تدأب في التاريخ مجتهدا * حتى رأيتك في التاريخ مكتوبا حسان بن سعيد ابن حسان بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد المخزومي المنيعي، كان في شبابه يجمع بين الزهد والتجارة حتى ساد أهل زمانه، ثم ترك ذلك، وأقبل على العبادة والزهد والبر والصلة والصدقة وغير ذلك، وبناء المساجد والرباطات، وكان السلطان يأتي إليه ويتبرك به، ولما وقع الغلاء كان يعمل كل يوم شيئا كثيرا من الخبز والأطعمة، ويتصدق به وكان يكسو في كل سنة قريبا من ألف فقير ثيابا وجبابا، وكذلك كان يكسو الأرامل وغيرهن من النساء، وكان يجهز البنات الأيتام وبنات الفقراء، وأسقط شيئا كثيرا من المكوس والوظائف السلطانية عن بلاد نيسابور، وقرأها وهو مع ذلك في غاية التبذل والثياب والأطمار، وترك الشهوات ولم يزل كذلك إلى أن توفي في هذه السنة، في بلدة مرو الروذ، تغمده الله برحمته، ورفع درجته ولا خيب الله له سعيا.