عنه سمع الحديث وتفقه وأفتى ودرس بالنظامية وابتنى لنفسه مدرسة ورباطا، وكان مع ذلك متصوفا يعظ الناس، ودفن بمدرسته.
محمد بن عبد الحميد ابن أبي الحسين أبو الفتح الرازي، المعروف بالعلاء العالم، وهو من أهل سمرقند، وكان من الفحول في المناظرة، وله طريقة في الخلاف والجدل، يقال لها التعليقة العالمية. قال ابن الجوزي وقد قدم بغداد وحضر مجلسي، وقال أبو سعد السمعاني: كان يدمن شرب الخمر. قال: وكان يقول:
ليس في الدنيا أطيب من كتاب المناظرة وباطية من خمر أشرب منها. قال ابن الجوزي: ثم بلغني عنه أنه أقلع عن شرب الخمر والمناظرة وأقبل على النسك والخير.
يوسف بن عبد الله ابن بندار الدمشقي، مدرس النظامية ببغداد، تفقه على أسعد الميهني، وبرع في المناظرة وكان يتعصب للأشعرية، وقد بعث رسولا في هذه السنة إلى شملة التركماني فمات في تلك البلاد.
ثم دخلت سنة أربع وستين وخمسمائة فيها كان فتح مصر على يدي الأمير أسد الدين شيركوه وفيها طغت الفرنج بالديار المصرية، وذلك أنهم جعلوا شاور شحنة لهم بها، وتحكموا في أموالها ومساكنها أفواجا أفواجا، ولم يبق شئ من أن يستحوذوا عليها ويخرجوا منها أهلها من المسلمين، وقد سكنها أكثر شجعانهم، فلما سمع الفرنج بذلك جاؤوا إليها من كل فج وناحية صحبة ملك عسقلان في جحافل هائلة، فأول ما أخذوا مدينة بلبيس وقتلوا من أهلها خلقا وأسروا آخرين، ونزلوا بها وتزكوا بها أثقالهم، وجعلوها موئلا ومعقلا لهم، ثم ساروا فنزلوا على القاهرة من ناحية باب البرقية، فأمر الوزير شاور الناس أن يحرقوا مصر، وأن ينتقل الناس منها إلى القاهرة، فنهبوا البلد وذهب للناس أموال كثيرة جدا، وبقيت النار تعمل في مصر أربعة وخمسين ويوما، فعند ذلك أرسل صاحبها العاضد يستغيث بنور الدين، وبعث إليه بشعور نسائه يقول أدركني واستنقذ نسائي من أيدي الفرنج، والتزم له بثلث خراج مصر على أن يكون أسد الدين مقيما بها عندهم، والتزم له بإقطاعات زائدة على الثلث، فشرع نور الدين في تجهيز الجيوش إلى مصر، فلما استشعر الوزير شاور بوصول المسلمين أرسل إلى ملك الفرنج يقول قد عرفت محبتي ومودتي لكم، ولكن العاضد والمسلمين لا يوافقوني على تسليم البلد، وصالحهم ليرجعوا عن البلد بألف ألف دينار، وعجل لهم من ذلك ثمانمائة ألف دينار، فانشمروا راجعين إلى بلادهم خوفا