زمانه وبرع وتفرد من بين أقرانه، وولي تدريس النظامية ببغداد، وحصل له وجاهة عند الخاص والعام وعلق عنه تعليقة في الخلاف. ثم عزل عن النظامية فسار إلى همذان فمات بها في هذه السنة رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة أربع وعشرين وخمسمائة فيها كانت زلزلة عظيمة بالعراق تهدم بسببها دور كثيرة ببغداد. ووقع بأرض الموصل مطر عظيم فسقط بعضه نارا تأجج فأحرقت دورا كثيرة، وخلقا من ذلك المطر وتهارب الناس. وفيها وجد ببغداد عقارب طيارة لها شوكتان، فخاف الناس منها خوفا شديدا. وفيها ملك السلطان سنجر مدينة سمرقند وكان بها محمد بن خاقان. وفيها ملك عماد الدين زنكي بلادا كثيرة من الجزيرة وهما مع الفرنج، وجرت معهم حروب طويلة، نصر عليهم في تلك المواقف كلها ولله الحمد. وقتل خلقا من جيش الروم حين قدموا الشام، ومدحه الشعراء على ذلك.
قتل خليفة مصر وفي ثاني ذي القعدة قتل الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله بن المستعلي صاحب مصر، قتله الباطنية وله من العمر أربع وثلاثون سنة، وكانت مدة خلافته تسعا وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفا (1)، وكان هو العاشر من ولد عبيد الله المهدي; ولما قتل تغلب على الديار المصرية غلام من غلمانه أرمني فاستحوذ على الأمور ثلاثة أيام حتى حضر أبو علي أحمد بن الأفضل بن بدر الجمالي فأقام الخليفة الحافظ أبا الميمون عبد المجيد بن الأمير أبي القاسم بن المستنصر (2); وله من العمر ثمان وخمسون سنة، ولما أقامه استحوذ على الأمور دونه وحصره في مجلسه، لا يدع أحدا يدخل إليه إلا من يريد هو، ونقل الأموال من القصر إلى داره، ولم يبق للحافظ سوى الاسم فقط.
وممن توفي فيها من الأعيان...
إبراهيم بن يحيى (3) بن عثمان بن محمد أبو إسحاق الكلبي من أهل غزة، جاوز الثمانين، وله شعر جيد في الأتراك. فمنه: