وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر، وقد رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول له: قل اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت، دعاء القنوت بتمامه. وصلي عليه يوم الأحد قبل الظهر، ودفن بدار الخلافة، ثم نقل إلى الترب من الرصافة رحمه الله تعالى.
خلافة المستضئ وهو أبو محمد الحسن بن يوسف المستنجد بن المقتفي، وأمه أرمنية تدعى عصمت، وكان مولده في شعبان سنة ست وثلاثين وخمسمائة. بويع بالخلافة يوم مات أبوه بكرة الأحد تاسع ربيع الآخر، وبايعه الناس، ولم يل الخلافة أحد اسمه الحسن بعد الحسن بن علي غير هذا، ووافقه في الكنية أيضا، وخلع يومئذ على الناس أكثر من ألف خلعة، وكان يوما مشهودا، وولى قضاء قضاة بغداد الروح بن الحدثني يوم الجمعة حادي عشرين ربيع الآخر، وخلع على الوزير وهو الأستاذ عضد الدولة، وضربت على بابه الدبابات (1) ثلاثة أوقات الفجر والمغرب والعشاء، وأمر سبعة عشر أميرا من المماليك وأذن للوعاظ فتكلموا بعد ما منعوا مدة طويلة، لما كان يحدث بسبب ذلك من الشرور الطويلة، ثم كثر احتجابه، ولما جاءت البشارة بولايته إلى الموصل قال العماد الكاتب:
قد أضاء الزمان بالمستضئ * وارث البرد وابن عم النبي جاء بالحق والشريعة والعد * ل فيا مرحبا بهذا المحيي (2) فهنيئا لأهل بغداد فازوا * بعد بؤس بكل عيش هني ومضى إن كان في الزمن المظلم * بالعود في الزمان المضي وفيها سار الملك نور الدين إلى الرقة فأخذها، وكذا نصيبين والخابور وسنجار، وسلمها إلى زوج ابنته ابن أخيه (3) مودود بن عماد الدين، ثم سار إلى الموصل فأقام بها أربعة وعشرين يوما، وأقرها على ابن أخيه سيف الدين غازي بن قطب الدين مودود، مع الجزيرة، وزوجه ابنته الأخرى، وأمر بعمارة جامعها وتوسعته، ووقف على تأسيسه بنفسه، وجعل له خطيبا ودرسا للفقه، وولي التدريس للفقيه أبي بكر البرقاني، تلميذ محمد بن يحيى تلميذ الغزالي، وكتب له