ببغداد، صاحب التصانيف، على صغر سنة، منها العجالة في النسب، والناسخ والمنسوخ وغيرها ومولده سنة ثمان أو تسع وأربعين وخمسمائة، وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى من هذه السنة.
ثم دخلت سنة خمس وثمانين وخمسمائة فيها قدم من جهة الخليفة رسل إلى السلطان يعلمونه بولاية العهد لأبي نصر الملقب بالظاهر بن الخليفة الناصر، فأمر السلطان خطيب دمشق أبا القاسم عبد الملك بن زيد الدولعي أن يذكره على المنبر، ثم جهز السلطان مع الرسل تحفا كثيرة، وهدايا سنية، وأرسل بأسارى من الفرنج على هيئتهم في حال حربهم، وأرسل بصليب الصلبوت فدفن تحت عتبة باب النوى، من دار الخليفة، فكان بالاقدام يداس، بعد ما كان يعظم ويباس، والصحيح أن هذا الصليب كان منصوبا على الصخرة وكان من نحاس مطليا بالذهب، فحطه الله إلى أسفل العتب.
قصة عكا وما كان من أمرها لما كان شهر رجب اجتمع من كان بصور من الفرنج وساروا إلى مدينة عكا، فأحاطوا بها يحاصرونها فتحصن من فيها من المسلمين، وأعدوا للحصار ما يحتاجون إليه، وبلغ السلطان خبرهم فسار إليهم من دمشق مسرعا، فوجدهم قد أحاطوا بها إحاطة الخاتم بالخنصر، فلم يزل يدافعهم عنها ويمانعهم منها، حتى جعل طريقا إلى باب القلعة يصل إليه كل من أراده، من جندي وسوقي، وامرأة صبي، ثم أدخل إليها ما أراد من الآلات والأمتعة، ودخل هو بنفسه فعلا على سورها ونظر إلى الفرنج وجيشهم وكثرة عددهم وعددهم، والميرة تفد إليهم في البحر، في كل وقت، وكل ما لهم في ازدياد، وفي كل حين تصل إليهم الامداد، ثم عاد إلى مخيمه والجنود تفد إليه، وتقدم عليه من كل جهة ومكان، منهم رجال وفرسان، فلما كان في العشر الأخير من شعبان برزت الفرنج من مراكبها إلى مواكبها، في نحو من ألفي فارس وثلاثين ألف راجل، فبرز إليهم السلطان فيمن معه من الشجعان فاقتتلوا بمرج عكا قتالا عظيما، وهزم جماعة من المسلمين في أول النهار، ثم كانت الدائرة على الفرنج فكانت القتلى بينهم أزيد من سبعة آلاف (1) قتيل، ولما تناهت هذه الوقعة تحول السلطان عن مكانه الأول إلى موضع بعيد من رائحة القتلى، خوفا من الوخم والأذى، وليستريح الخيالة والخيل، ولم يعلم أن ذلك كان من أكبر مصالح العدو المخذول، فإنهم اغتنموا هذه الفرصة فحفروا حول مخيمهم خندقا من البحر محدقا بجيشهم، واتخذوا من ترابه سورا شاهقا، وجعلوا له أبوابا