اللغة، وكان ضرير البصر، أخذ علم العربية واللغة عن أبيه، وكان أبوه ضريرا أيضا، واشتغل على أبي العلاء صاعد البغدادي، وله المحكم في مجلدات عديدة، وله شرح الحماسة في ست مجلدات، وغير ذلك، وقرأ على الشيخ أبي عمر الطملنكي كتاب الغريب لأبي عبيد سرها من حفظه، فتعجب الناس لذلك، وكان الشيخ يقابل بما يقرأ في الكتاب، فسمع الناس بقراءته من حفظه، توفي في ربيع الأول (1) منها وله ستون سنة، وقيل إنه توفي في سنة ثمان وأربعين، والأول أصح، والله أعلم.
ثم دخلت سنة تسع وخمسين وأربعمائة فيها بنى أبو سعيد (2) المستوفي الملقب بشرف الملك، مشهد الامام أبي حنيفة ببغداد، وعقد عليه قبة، وعمل بإزائه مدرسة، فدخل أبو جعفر بن البياضي زائرا لأبي حنيفة فأنشد:
ألم تر أن العلم كان مضيعا (3) * فجمعه هذا المغيب في اللحد كذلك كانت هذه الأرض ميتة * فأنشرها جود العميد أبي السعد وفيها هبت ريح حارة فمات بسببها خلق كثير، وورد أن ببغداد تلف شجر كثير من الليمون والأترج. وفيها احترق قبر معروف الكرخي، وكان سببه أن القيم طبخ له ماء الشعير لمرضه فتعدت النار إلى الأخشاب فاحترق المشهد. وفيها وقع غلاء وفناء بدمشق وحلب وحران، وأعمال خراسان بكمالها، ووقع الفناء في الدواب: كانت تنتفخ رؤوسها وأعينها حتى كان الناس يأخذون حمر الوحش بالأيدي، وكانوا يأنفون من أكلها.
قال ابن الجوزي في المنتظم: وفي يوم السبت عاشر ذي القعدة جمع العميد أبو سعد الناس ليحضروا الدرس بالنظامية ببغداد، وعين لتدريسها ومشيختها الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، فلما تكامل اجتماع الناس وجاء أبو إسحاق ليدرس لقيه فقيه شاب فقال: يا سيدي تذهب تدرس في مكان مغصوب؟ فامتنع أبو إسحاق من الحضور ورجع إلى بيته، فأقيم الشيخ أبو نصر الصباغ فدرس، فلما بلغ نظام الملك ذلك تغيظ على العميد وأرسل إلى الشيخ أبي إسحاق فرده إلى التدريس بالنظامية، في ذي الحجة من هذه السنة، وكان لا يصلي فيها مكتوبة، بل كان يخرج إلى بعض المساجد فيصلي، لما بلغه من أنها مغصوبة، وقد كان مدة تدريس ابن الصباغ فيها عشرين يوما، ثم