الدين عثمان [الزنجبيلي] فإنه خرج من اليمن قبل قدوم طغتكين فسكن الشام، وله أوقاف مشهورة باليمن ومكة، وإليه تنسب المدرسة الزنجبيلية، خارج باب توما، تجاه دار المطعم، وكان قد حصل من اليمن أموالا عظيمة جدا.
وفيها غدرت الفرنج ونقضت عهودها، وقطعوا السبل على المسلمين برا وبحرا وسرا وجهرا، فأمكن الله من لطيشة عظيمة فيها نحو من ألفين وخمسمائة من مقاتلتهم المعدودين، ألقاها الموج إلى ثغر دمياط قبل خروج السلطان من مصر، فأحيط بها فغرق بعضهم وحصل في الأسر نحو ألف وسبعمائة. وفيها سرا قراقوش إلى بلاد إفريقية ففتح بلادا كثيرة، وقاتل عسكر ابن عبد المؤمن صاحب المغرب، واستفحل أمره هناك، وقراقوش مملوك تقي الدين عمر ابن أخي السلطان صلاح الدين، ثم عاد إلى مصر فأمره صلاح الدين أن يتم السور المحيط بالقاهرة ومصر، وذلك قبل خروجه منها في هذه السنة، وكان ذلك آخر عهده بها حتى توفاه الله بعد أن أناله الله بلوغ مناه، ففتح عليه بيت المقدس وما حوله، ولما خيم بارزا، من مصر وأولاده حوله جعل يشمهم ويقبلهم ويضمهم فأنشد بعضهم في ذلك:
تمتع من شميم عرار نجد * فما بعد العشية من عرار وكان الامر كما قال، لم يعد إلى مصر بعد هذا العام، بل كان مقامه بالشام. وفيها ولد للسلطان ولدان أحدهما المعظم توران شاه، والملك المحسن أحمد، وكان بين ولادتهما سبعة أيام، فزينت البلاد واستمر الفرح أربعة عشر يوما.
وفيها توفي من الأعيان:
الشيخ كمال الدين أبو البركات عبد الرحمن بن محمد بن أبي السعادات، عبيد الله بن محمد بن عبيد الله الأنباري النحوي الفقيه العابد الزاهد، كان خشن العيش، ولا يقبل من أحد شيئا، ولا من الخليفة، وكان يحضر نوبة الصوفية بدار الخلافة، ولا يقبل من جوائز الخليفة ولا فلسا، وكان مثابرا على الاشتغال، وله تصانيف مفيدة، توفي في شعبان من هذه السنة. قال ابن خلكان: له كتاب أسرار العربية مفيد جدا، وطبقات النحاة، مفيد جدا، وكتاب الميزان في النحو أيضا، والله سبحانه أعلم.
ثم دخلت سنة ثمان وسبعين وخمسمائة في خامس محرمها كان بروز السلطان من مصر قاصدا دمشق لأجل الغزو والاحسان إلى الرعايا