امتنع من الحضور عن مجلسه حتى استدعاه جلال الدولة في يوم عيد، فلما دخل عليه، دخل وهو وجل خائف أن يوقع به مكروها، فلما واجهه قال له جلال الدولة: قد علمت أنه إنما منعك من موافقة الذين جوزوا ذلك مع صحبتك إياي ووجاهتك عندي، دينك واتباعك الحق، وإن الحق آثر عندك من كل أحد، ولو حابيت أحدا من الناس لحابيتني، وقد زادك ذلك عندي صحبة ومحبة، وعلو مكانة.
قلت: والذي حمل القاضي الماوردي على المنع هو السنة التي وردت بها الأحاديث الصحيحة من غير وجه. قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أخنع اسم عند الله يوم القيامة رجل تسمى بملك الأملاك " (1).
قال الزهري: سألت أبا عمرو الشيباني عن أخنع أسم قال: أوضع. وقد رواه البخاري عن علي بن المديني عن ابن عيينة، وأخرجه مسلم من طريق همام عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أغيظ رجل على الله يوم القيامة وأخبثه رجل تسمى ملك الأملاك لا ملك إلا الله عز وجل ". وقال الإمام أحمد : حدثني محمد بن جعفر حدثنا عوف عن جلاس عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اشتد غضب الله على من قتله نبي، واشتد غضب الله على رجل تسمى بملك الأملاك، لا ملك إلا الله عز وجل ".
وممن توفي فيها من الأعيان...
الثعالبي صاحب يتيمة الدهر أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي النيسابوري، كان إماما في اللغة والاخبار وأيام الناس، بارعا مفيدا، له التصانيف الكبار في النظم والنثر والبلاغة والفصاحة، وأكبر كتبه يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر. وفيها يقول بعضهم (2):
أبيات أشعار اليتيمة * أبكار أفكار قديمة ماتوا وعاشت بعدهم * فلذاك سميت اليتيمة وإنما سمي الثعالبي لأنه كان رفاء يخيط جلود الثعالب، وله أشعار كثيرة مليحة، ولد سنة خمسين وثلاثمائة، ومات في هذه السنة.