الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد، البغدادي الفقيه الشافعي، أحد الأئمة في الأصول والفروع، وكان ماهرا في فنون كثيرة من العلوم، منها علم الحساب والفرائض، وكان ذا مال وثروة أنفقه كله على أهل العلم، وصنف ودرس في سبعة عشر علما، وكان اشتغاله على أبي إسحاق الأسفرائيني، وأخذ عنه ناصر المروزي وغيره.
ثم دخلت سنة ثلاثين وأربعمائة فيها التقى الملك مسعود بن محمود، والملك طغرلبك السلجوقي، ومعه أخوه داود، في شعبان، فهزمهما مسعود، وقتل من أصحابهما خلقا كثيرا. وفيها خطب شبيب بن ريان للقائم العباسي بحران والرحبة وقطع خطبة الفاطمي العبيدي. وفيها خوطب أبو منصور بن جلال الدولة بالملك العزيز، وهو مقيم بواسط، وهذا العزيز آخر من ملك بغداد من بني بويه، لما طغوا وتمردوا وبغوا وتسموا بملك الأملاك، فسلبهم الله ما كان أنعم به عليهم، وجعل الملك في غيرهم، كما قال الله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) الآية [الرعد: 11]. وفيها خلع الخليفة على القاضي أبي عبد الله بن ماكولا خلعة تشريف. وفيها وقع ثلج عظيم ببغداد مقدار شبر. قال ابن الجوزي: وفي جمادى الآخرة تملك بنو سلجوق بلاد خراسان والحبل، وتقسموا الأطراف، وهو أول ملك السلجوقية ولم يحج أحد فيها من العراق وخراسان، ولا من أهل الشام ولا مصر إلا القليل.
وممن توفي فيها من الأعيان...
الحافظ أبو نعيم الأصبهاني أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران، أبو نعيم الأصبهاني، الحافظ الكبير ذو التصانيف المفيدة الكثيرة الشهيرة، منها حلية الأولياء في مجلدات كثيرة، دلت على استاع روايته، وكثرة مشايخه، وقوة اطلاعه على مخارج الحديث، وشعب طرقه، وله معجم الصحابة، وهو عندي بخطه، وله صفة الجنة ودلائل النبوة، وكتاب في الطب النبوي، وغير ذلك من المصنفات المفيدة.
وقد قال الخطيب البغدادي: كان أبو نعيم يخلط المسموع له بالمجاز، ولا يوضح أحدهما من الآخر.
وقال عبد العزيز النخشبي: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة من أبي بكر بن خلاد بتمامه، فحدث به كله، وقال ابن الجوزي: سمع الكثير وصنف الكثير، وكان يميل إلى مذهب الأشعري في الاعتقاد ميلا كثيرا، توفي أبو نعيم في الثامن والعشرين من المحرم منها عن أربع وتسعين