واستقرت يد صلاح الدين على حصن رعنان، وقد كان مما عوض به ابن مقدم عن بعلبك، وكان تقي الدين عمر يفتخر بهذه الوقعة ويرى أنه قد هزم عشرين ألفا، وقيل ثلاثين ألفا بثمانمائة، وكان السبب في ذلك أنه بيتهم وأغار عليهم، فما لبثوا بل فروا منهزمين عن آخرهم، فأكثر فيهم القتل واستحوذ على جميع ما تركوه في خيامهم، ويقال إنه كسرهم يوم كسر السلطان الفرنج بمرج عيون والله أعلم.
ذكر تخريب حصن الأحزان وهو قريب من صفد. ثم ركب السلطان إلى الحصن الذي كانت الفرنج قد بنوه في العام الماضي وحفروا فيه بئرا وجعلوه لهم عينا، وسلموه إلى الداوية، فقصده السلطان فحاصره ونقبه من جميع جهاته، وألقى فيه النيران وخربه إلى الأساس، وغنم جميع ما فيه، فكان فيه مائة ألف قطعة من السلاح ومن المأكل شئ كثير، وأخذ منه سبعمائة أسير فقتل بعضا وأرسل إلى دمشق الباقي، ثم عاد إلى دمشق مؤيدا منصورا، غير أنه مات من أمرائه عشرة بسبب ما نالهم من الحر والوباء في مدة الحصار، وكانت أربعة عشر يوما، ثم إن الناس زاروا مشهد يعقوب على عادتهم، وقد امتدحه الشعراء فقال بعضهم (1):
بحمدك أعطاف القنا قد تعطفت * وطرف الأعادي دون مجدك يطرف شهاب هدى في ظلمة الليل ثاقب * وسيف إذا ما هزه الله مرهف وقفت على حصن المحاض وإنه * لموقف حق لا يوازيه موقف فلم يبد وجه الأرض بل حال دونه * رجال كآساد الثرى وهي ترجف وجرد سلهوب ودرع مضاعف * وأبيض هندي ولدن مهفهف وما رجعت أعلامك البيض ساعة * إلا غدت أكبادها السود ترجف كنائس أغياد صليب وبيعة * وشاد به دين حنيف ومصحف صليب وعباد الصليب ومنزل * لنوال قد غادرته وهو صفصف أتسكن أوطان النبيين عصبة * تمين لدى أيمانها وهي تحلف نصحتكم والنصح في الدين واجب * ذروا بيت يعقوب فقد جاء يوسف وقال آخر (2):
هلاك الفرنج أتى عاجلا * وقد آن تكسير صلبانها