والجدل، وغير ذلك من العلوم الكثيرة النافعة، وسمع ببغداد من الدارقطني وغيره، وولي القضاء بربع الكرخ بعد موت أبي عبد الله الصيمري، وكان ثقة دينا ورعا، عالما بأصول الفقه وفروعه، حسن الخلق سليم الصدر مواظبا على تعليم العلم ليلا ونهارا. وقد ترجمته في طبقات الشافعية، وحكى الشيخ أبو إسحاق الشيرازي عنه - وكان شيخه، وقد أجلسه بعده في الحلقة - أن أبا الطيب أسلم خفا له - وكان متقللا من الدنيا فقيرا - عند خفاف ليصلحه له فأبطأ عليه فكان كلما مر عليه أخذه فغمسه في الماء وقال: أيها الشيخ الساعة أصلحه، فقال الشيخ: أسلمته لتصلحه ولم أسلمه لتعلمه السباحة. وحكى ابن خلكان: أنه كان له ولأخيه عمامة واحدة، وقميص واحد، إذا لبسهما هذا جلس الآخر في البيت لا يخرج منه، وإذا لبسهما هذا احتاج الآخر أن يقعد في البيت ولا يخرج منه، وإذا غسلاهما جلسا في البيت إلى أن ييبسا وقد قال في ذلك أبو الطيب:
قوم إذا غسلوا ثياب جمالهم * لبسوا البيوت إلى فراغ الغاسل وقد توفي في هذه السنة عن مائة سنة وسنتين، وهو صحيح العقل، والفهم، والأعضاء، يفتي ويشتغل إلى أن مات، وقد ركب مرة سفينة فلما خرج منها قفز قفزة لا يستطيعها الشاب فقيل له: ما هذا يا أبا الطيب؟ فقال: هذه أعضاء حفظناها في الشبيبة تنفعنا في الكبر رحمه الله.
القاضي الماوردي صاحب الحاوي الكبير، علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي البصري، شيخ الشافعية، صاحب التصانيف الكثيرة في الأصول والفروع والتفسير والاحكام السلطانية، وأدب الدنيا والدين. قال: بسطت الفقه في أربعة آلاف ورقة، يعني الاقناع. وقد ولي الحكم في بلاد كثيرة، وكان حليما وقورا أديبا، لم ير أصحابه ذراعه يوما من الدهر من شدة تحرزه وأدبه، وقد استقصيت ترجمته في الطبقات، توفي عن ست وثمانين سنة، ودفن بباب حرب.
رئيس الرؤساء أبو القاسم بن المسلمة علي بن الحسن (1) بن أحمد بن محمد بن عمر، وزير القائم بأمر الله، كان أولا قد سمع الحديث من أبي أحمد الفرضي وغيره، ثم صار أحد المعدلين، ثم استكتبه القائم بأمر الله واستوزره، ولقبه رئيس الرؤساء، شرف الوزراء، جمال الوزراء، كان متضلعا بعلوم كثيرة مع سداد رأي، ووفور عقل، وقد مكث في الوزارة ثنتي عشرة سنة وشهرا، ثم قتله البساسيري بعد ما شهره كما تقدم، وله من العمر ثنتان وخمسون سنة وخمسة أشهر.