الطبري وأفتى ودرس، وكانت له حلقة بجامع المنصور للمناظرة والفتوى، وكان ورعا زاهدا ملازما لمسجده خمسين سنة، توفي عن ست وثمانين سنة، ودفن قريبا من الإمام أحمد، رحمه الله وإيانا.
محمد بن أحمد بن إسماعيل أبو طاهر الأنباري الخطيب، ويعرف بابن أبي الصقر، طاف البلاد وسمع الكثير، وكان ثقة صالحا فاضلا عابدا، وقد سمع منه الخطيب البغدادي، وروى عنه مصنفاته، توفي بالأنبار في جمادى الآخرة عن نحو من مائة سنة (1)، رحمه الله.
محمد بن أحمد بن الحسين بن جرادة أحد الرؤساء ببغداد، وهو من ذوي الثروة والمروءة، كان يحزر ماله بثلاثمائة ألف دينار، وكان أصله من عكبرا فسكن بغداد، وكانت له بها دار عظيمة تشتمل على ثلاثين مسكنا مستقلا، وفيها حمام وبستان ولها بابان، على كل باب مسجد، إذا أذن المؤذن في إحداهما لا يسمع الآخر من اتساعها، وقد كانت زوجة الخليفة القائم حين وقعت فتنة البساسيري في سنة خمسين وأربعمائة، نزلت عنده في جواره، فبعث إلى الأمير قريش بن بدران أمير العرب بعشرة آلاف دينار، ليحمي له داره، وهو الذي بنى المسجد المعروف به ببغداد، وقد ختم فيه القرآن ألوف من الناس، وكان لا يفارق زي التجار. وكانت وفاته في عاشر ذي القعدة من هذه السنة، ودفن في التربة المجاورة لتربة القزويني، رحمه الله وإيانا آمين.
ثم دخلت سنة سبع وسبعين وأربعمائة فيها كانت الحرب بين فخر الدولة بن جهير وزير الخليفة وبين ابن مروان صاحب ديار بكر، فاستولى ابن جهير على ملك العرب وسبى حريمهم وأخذ البلاد ومعه سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، فافتدى خلقا من العرب فشكره الناس على ذلك، وامتدحه الشعراء. وفيها بعث السلطان عميد الدولة بن جهير في عسكر كثيف ومعه قسيم الدولة اقسنقر جد بني أتابك ملوك الشام والموصل، فسار إلى الموصل فملكوها. وفي شعبان منها ملك سليمان بن قتلمش أنطاكية، فأراد شرف الدولة مسلم بن قريش أن يستنقذها منه، فهزمه سليمان وقتله، وكان مسلم هذا من خيار الملوك سيرة، له في كل قرية وال وقاض وصاحب خبر، وكان