عند العوام وبعض الامراء، وحصل له فتوح كثير، ابتنى منه رباطا ودفن فيه سامحه الله تعالى.
زمرد خاتون بنت جاولي أخت الملك دقماق بن تتش لأمه، وهي بانية الخاتونية ظاهر دمشق عند قرية صنعاء بمكان يقال له تل الثعالب، غربي دمشق، على جانب الشرق القبلي بصنعاء الشام، وهي قرية معروفة قديما، وأوقفتها على الشيخ برهان الدين علي بن محمد البلخي الحنفي المتقدم ذكره، وكانت زوجة الملك بوري بن طغتكين، فولدت له ابنيه شمس الملوك إسماعيل المذكور، وقد ملك بعد أبيه وسار سيرته، ومالا الفرنج على المسلمين وهم بتسليم البلد والأموال إليهم فقتلوه، وتملك أخوه وذلك بعد مراجعتها ومساعدتها، وقد كانت قرأت القرآن، وسمعت الحديث، وكان حنفية المذهب تحب العلماء والصالحين، وقد تزوجها الأتابكي زنكي صاحب حلب طمعا في أن يأخذ بسببها دمشق فلم يظفر بذلك، بل ذهبت إليه إلى حلب ثم عادت إلى دمشق بعد وفاته، وقد دخلت بغداد وسارت من هناك إلى الحجاز، وجاورت بمكة سنة، ثم جاءت فأقامت بالمدينة النبوية حتى ماتت بها ودفنت بالبقيع في هذه السنة، وقد كانت كثيرة البر والصدقات والصلاة والصوم، قال السبط: ولم تمت حتى قل ما بيدها، وكانت تغربل القمح والشعير وتتقوت بأجرته، وهذا من تمام الخير والسعادة وحسن الخاتمة رحمها الله تعالى، والله أعلم.
ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وخمسمائة فيها مات صاحب المغرب عبد المؤمن بن علي التومرتي، وخلفه في الملك من بعده ابنه يوسف وحمل أباه إلى مراكش على صفة أنه مريض، فلما وصلها أظهر موته فعزاه الناس وبايعوه على الملك من بعد أبيه، ولقبوه أمير المؤمنين، وقد كان عبد المؤمن هذا حازما شجاعا، جوادا معظما للشريعة، وكان من لا يحافظ على الصلوات في زمانه يقتل، وكان إذا أذن المؤذن وقبل الاذان يزدحم الخلق في المساجد، وكان حسن الصلاة ذا طمأنينة فيها، كثير الخشوع، ولكن كان سفاكا للدماء، حتى على الذنب الصغير، فأمره إلى الله يحكم فيه بما يشاء. وفيها قتل سيف الدين محمد بن علاء الدين الغزي (1)، قتله الغز، وكان عادلا. وفيها كبست الفرنج نور الدين وجيشه (2) فانهزم المسلمون لا يلوي أحد على أحد، ونهض الملك نور الدين فركب فرسه والشبحة في رجله فنزل رجل كردي فقطعها، فسار نور الدين فنجا، وأدركت الفرنج ذلك الكردي فقتلوه رحمه الله، فأحسن نور الدين