نيه بها فوقع في نفسه أن يأخذ هذا المكان منهم ويعوضهم عنه غيره، فأبطأت عليه ثم خرجت وليس معها شئ، فقال: ما لك؟ فقالت: كأن نية سلطاننا تغيرت علينا، فتعسر علي اعتصاره - وهي لا تعرف أنه السلطان - فقال: اذهبي فإنك الآن تقدرين عليه، وغير نيته إلى غيرها، فذهبت وجاءته بشربة أخرى سريعا فشربها وانصرف. فقال له السلطان: هذه تصلح لي ولكن قص على الرعية أيضا حكاية كسرى الأخرى حين اجتاز ببستان وقد أصابته صفراء في رأسه وعطش، فطلب من ناطوره عنقودا من حصرم، فقال له الناطور: إن السلطان لم يأخذ حقه منه، فلا أقدر أن أعطيك منه شيئا، قال: فعجب الناس من ذكاء الملك وحسن استحضاره هذه في مقابلة تلك.
واستعداه رجلان من الفلاحين على الأمير خمارتكين أنه أخذ منهما مالا جزيلا وكسر ثنيتهما، وقالا:
سمعنا بعدلك في العالم، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليك الله يوم القيامة، وأخذا بركابه، فنزل عن فرسه، وقال لهما: خذا بكمي واسحباني إلى دار نظام الملك، فهابا ذلك، فعزم عليهما أن يفعلا، ما أمرهما به، فلما بلغ النظام مجئ السلطان إليه خرج مسرعا فقال له الملك: إني إنما قلدتك الامر لتنصف المظلوم ممن ظلمه، فكتب من فوره فعزل خمارتكين وحل أقطاعه، وأن يرد إليهما أموالهما، وأن يقلعا ثنيتيه إن قامت عليه البينة وأمر لها الملك من عنده بمائة دينار، وأسقط مرة بعض المكوس، فقال له رجل من المستوفين: يا سلطان العالم، إن هذا الذي أسقطته يعدل ستمائة ألف دينار وأكثر، فقال: ويحك إن المال مال الله، والعباد عباد الله، والبلاد بلاده، وإنما أردت أن يبقى هذا لي عند الله، ومن نازعني في هذا ضربت عنقه. وغنته امرأة حسناء فطرب وتاقت نفسه إليها، فهم بها فقالت: أيها الملك إني أغار على هذا الوجه الجميل من النار، وبين الحلال والحرام كلمة واحدة، فاستدعى القاضي فزوجه بها.
وقد ذكر ابن الجوزي: عن ابن عقيل أن السلطان ملك شاه كان قد فسدت عقيدته بسبب معاشرته لبعض الباطنية ثم تنصل من ذلك وراجع الحق. وذكر ابن عقيل أنه كتب له شيئا في إثبات الصانع، وقد ذكرنا أنه لما رجع آخر مرة إلى بغداد فعزم على الخليفة أن يخرج منها، فاستنظره عشرة أيام فمرض السلطان ومات قبل انقضاء العشرة أيام، وكانت وفاته في ليلة الجمعة النصف من شوال عن سبع وثلاثين سنة وخمسة أشهر، وكان مدة ملكه من ذلك تسع عشرة سنة وأشهرا، ودفن بالشونيزي، ولم يصل عليه أحد لكتمان الامر، وكان مرضه بالحمى، وقيل إنه سم، والله أعلم.
باني التاجية ببغداد المرزبان بن خسرو، تاج الملك، الوزير أبو الغنائم باني التاجية، وكان مدرسها أبو بكر الشاشي وبنى تربة الشيخ أبي إسحاق، وقد كان السلطان ملكشاه أراد أن يستوزره بعد نظام الملك