صاعد بن الحسن ابن عيسى الربعي البغدادي، صاحب كتاب الفصوص في اللغة على طريقة القالي في الأمالي، صنفه للمنصور بن أبي عامر، فأجازه عليه خمسة آلاف دينار، ثم قيل له إنه كذاب متهم، فقال في ذلك بعض الشعراء:
قد غاص في الماء كتاب الفصوص * وهكذا كل ثقيل يغوص فلما بلغ صاعدا هذا البيت أنشد:
عاد إلى عنصره إنما * يخرج من قعر البحور الفصوص قلت: كأنه سمى هذا الكتاب بهذا الاسم ليشاكل به الصحاح للجوهري، لكنه كان مع فصاحته وبلاغته وعلمه متهما بالكذب، فلهذا رفض الناس كتابه، ولم يشتهر، وكان ظريفا ماجنا سريع الجواب، سأله رجل أعمى على سبيل التهكم فقال له: ما الحر تقل (1)؟ فأطرق ساعة وعرف أنه افتعل هذا من عند نفسه ثم رفع رأسه إليه فقال: هو الذي يأتي نساء العميان، ولا يتعداهن إلى غيرهن، فاستحى ذلك الأعمى وضحك الحاضرون. توفي في هذه السنة سامحه الله.
القفال المروزي (2) أحد أئمة الشافعية الكبار، علما وزهدا وحفظا وتصنيفا، وإليه تنسب الطريقة الخراسانية، ومن أصحابه الشيخ أبو محمد الجويني، والقاضي حسين، وأبو علي السبخي (3)، قال ابن خلكان:
وأخذ عنه إمام الحرمين (4)، وفيما قاله نظر. لان سن إمام الحرمين لا يتحمل ذلك، فإن القفال هذا مات في هذه السنة وله تسعون سنة، ودفن بسجستان، وإمام الحرمين ولد سنة تسع عشرة وأربعمائة كما سيأتي، وإنما قيل له القفال لأنه كان أولا يعمل الأقفال، ولم يشتغل إلا وهو ابن ثلاثين سنة رحمه الله تعالى.
ثم دخلت سنة ثمان عشرة وأربعمائة في ربيع الأول منها وقع برد أهلك شيئا كثيرا من الزروع والثمار، وقتل خلقا كثيرا من