المعسكر فألبس جلد ثور بقرنيه، وعلق بكلوب في شدقيه، ورفع إلى الخشبة، فجعل يضطرب إلى آخر النهار فمات رحمه الله. وكان آخر كلامه أن قال: الحمد لله الذي أحياني سعيدا، وأماتني شهيدا. وفيها وقع برد بأرض العراق أهلك كثيرا من الغلات، وقتل بعض الفلاحين، وزادت دجلة زيادة كثيرة، وزلزلت بغداد في هذه السنة قبل الفتنة بشهر زلزالا شديدا، فتهدمت دور كثيرة، ووردت الاخبار أن هذه الزلزلة اتصلت بهمذان وواسط، وتكريت، وعانة، وذكر أن الطواحين وقفت من شدتها. وفيها كثر النهب ببغداد حتى كانت العمائم تخطف عن الرؤوس، وخطفت عمامة الشيخ أبي نصر بن الصباغ، وطيلسانه وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة.
وفي أواخر السنة خرج السلطان طغرلبك من همذان فقاتل أخاه وانتصر عليه، ففرح الناس وتباشروا بذلك، ولم يظهروا ذلك خوفا من البساسيري، واستنجد طغرلبك بأولاد أخيه داود - وكان قد مات - على أخيه إبراهيم فغلبوه وأسروه في أوائل سنة إحدى وخمسين، واجتمعوا على عمهم طغرلبك، فسار بهم نحو العراق فكان من أمرهم ما سيأتي ذكره في السنة الآتية إن شاء الله.
وفيها توفي من الأعيان...
الحسن (1) بن محمد أبو عبد الله الوني الفرضي، وهو شيخ الحربي، وكان شافعي المذهب، قتل في بغداد في فتنة البساسيري ودفن في يوم الجمعة يوم عرفة منها.
داود أخو طغرلبك وكان الأكبر منهم، توفي فيها وقام أولاده مقامه.
أبو الطيب الطبري الفقيه، شيخ الشافعية، طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، ولد بآمل طبرستان سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، سمع الحديث بجرجان من أبي أحمد الغطريفي، وبنيسابور من أبي الحسن الماسرجسي، وعليه درس الفقه أيضا وعلى أبي علي الزجاجي، وأبي القاسم بن كج، ثم اشتغل ببغداد على أبي حامد الأسفراييني، وشرح المختصر وفروع ابن الحداد، وصنف في الأصول