ليس بيننا وبينكم إلا السيف، فوقع بينهما الخلف، فاستجاش السلطان بالعساكر، واستنهض الخليفة الامراء، وأرسل إلى عماد الدين زنكي فجاء والتف على الخليفة خلائق، وجاء في غضون ذلك السلطان داود بن محمود بن محمد بن ملكشاه، فخطب له الخليفة ببغداد، وخلع عليه وبايعه على الملك، فتأكدت الوحشة بين السلطان والخليفة جدا، وبرز الخليفة إلى ظاهر بغداد ومشى الجيش بين يديه، كما كانوا يعاملون أباه، وذلك يوم الأربعاء سلخ شعبان، وخرج السلطان داود من جانب آخر، فلما بلغهم كثرة جيوش السلطان محمود حسن عماد الدين زنكي للخليفة أن يذهب معه إلى الموصل، واتفق دخول مسعود إلى بغداد، في غيبتهم يوم الاثنين رابع شوال، فاستحوذ على دار الخلافة بما فيها جميعه، ثم استخلص من نساء الخليفة وحظاياه الحلى والمصاغ والثياب التي للزينة، وغير ذلك، وجمع القضاة والفقهاء، وأبرز لهم خط الراشد أنه متى خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة، فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه، فخلع في يوم الاثنين سادس عشر شهر ذي القعدة بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء، وكانت خلافته إحدى عشر شهرا وإحدى عشر يوما، واستدعى السلطان بعمه المقتفي بن المستظهر فبويع بالخلافة عوضا عن ابن أخيه الراشد بالله.
خلافة المقتفي لأمر الله أبي عبد الله بن المستظهر، وأمه صفراء تسمى نسيما، ويقال لها ست السادة، وله من العمر يومئذ أربعون سنة، بويع بالخلافة بعد خلع الراشد بيومين، وخطب له على المنابر يوم الجمعة لعشرين من ذي القعدة، ولقب بالمقتفي لأنه يقال إنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المنام وهو يقول له سيصل هذا الامر إليك فاقتف بي، فصار إليه بعد ستة أيام فلقب بذلك.
فائدة حسنة ينبغي التنبه لها ولي المقتفي والمسترشد الخلافة وكانا أخوين، وكذلك السفاح والمنصور، وكذلك الهادي والرشيد، ابنا المهدي، وكذلك الواثق والمتوكل ابنا المعتصم أخوان، وأما ثلاثة إخوة فالأمين والمأمون والمعتصم بنو الرشيد، والمنتصر والمعتز والمعتمد بنو المتوكل، والمكتفي والمقتدر والقاهر بنو المعتضد، والراضي والمقتفي والمطيع بنو المقتدر، وأما أربعة إخوة فلم يكن إلا في بني أمية وهم الوليد وسليمان ويزيد وهشام بنو عبد الملك بن مروان، ولما استقر المقتفي بالخلافة استمر الراشد ذاهبا إلى الموصل صحبة صاحبها عماد الدين زنكي، فدخلها في ذي الحجة من هذه السنة.
وممن توفي فيها من الأعيان..