سبعين ألفا بمن انضاف إليهم من الملوك وغيرهم، فلما سمعت الفرنج بقدوم الجيش تحولوا عن البلد، فلحقهم الجيش فقتلوا منهم خلقا كثيرا، وجما غفيرا، وقتلوا قسيسا معهم اسمه إلياس، وهو الذي أغراهم بدمشق، وذلك أنه افترى مناما عن المسيح أنه وعده فتح دمشق، فقتل لعنه الله، وقد كادوا يأخذون البلد، ولكن الله سلم، وحماها بحوله وقوته. قال تعالى (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا) [الحج: 40] ومدينة دمشق لا سبيل للأعداء من الكفرة عليها، لأنها المحلة التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها أنها معقل الاسلام عند الملاحم والفتن، وبها ينزل عيسى بن مريم وقد قتل الفرنج خلقا كثيرا من أهل دمشق، وممن قتلوا الفقيه الكبير الملقب حجة الدين شيخ المالكية بها، أبو الحجاج يوسف بن درناس (1) الفندلاوي، بأرض النيرب (2)، ودفن بمقابر باب الصغير، وكان مجير الدين قد صالح الفرنج عن دمشق ببانياس، فرحلوا عنها وتسلموا بانياس. وفيها وقع بين السلطان مسعود وأمرائه ففارقوه، وقصدوا بغداد فاقتتلوا مع العامة، فقتلوا منهم خلقا كثيرا من الصغار والكبار، ثم اجتمعوا قبال التاج وقبلوا الأرض واعتذروا إلى الخليفة مما وقع، وساروا نحو النهروان فتفرقوا في البلاد، ونهبوا أهلها، فغلت الأسعار بالعراق بسبب ذلك. وفيها ولي قضاء القضاة ببغداد أبو الحسن علي بن أحمد بن علي بن الدامغاني، بعد وفاة الزينبي. وفيها ملك سولي بن الحسين ملك الثغور (3) مدينة غزنة، فذهب صاحبها بهرام شاه بن مسعود من أولاد سبكتكين إلى فرغانة فاستغاث بملكها، فجاء بجيوش عظيمة فاقتلع غزنة من سولي، وأخذه أسيرا فصلبه، وقد كان كريما جوادا، كثير الصدقات.
وممن توفي فيها من الأعيان..
إبراهيم بن محمد ابن نهار (4) بن محرز الغنوي الرقي، سمع الحديث وتفقه بالشاشي والغزالي، وكتب شيئا كثيرا من مصنفاته، وقرأها عليه، وصحبه كثيرا، وكان مهيبا كثير الصمت، توفي في ذي الحجة منها وقد جاوز الثمانين.