الله ويكنى بأبي محمد بن يوسف الحافظ بن المستنصر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور القاهري، أبي الغنائم بن المهدي أولهم، كان مولد العاضد في سنة ست وأربعين، فعاش إحدى وعشرين سنة وكانت سيرته مذمومة، وكان شيعيا خبيثا، لو أمكنه قتل كل من قدر عليه من أهل السنة، واتفق أنه لما استقر أمر الملك صلاح الدين رسم بالخطبة لبني العباس عن مرسوم الملك نور الدين، وذلك أن الخليفة بعث إلى نور الدين فعاتبه في ذلك قبل وفاته، وكان المستنجد إذ ذاك مدنفا مريضا، فلما مات تولى بعده ولده، فكانت الخطبة بمصر له، ثم إن العاضد مرض فكانت وفاته في يوم عاشوراء، فحضر الملك صلاح الدين جنازته وشهد عزاه، وبكى عليه وتأسف، وظهر منه حزن كثير عليه، وقد كان مطيعا له فيما يأمره به، وكان العاضد كريما جوادا سامحه الله. ولما مات استحوذ صلاح الدين على القصر بما فيه، وأخرج منه أهل العاضد إلى دار أفردها لهم (1)، وأجرى عليهم الأرزاق والنفقات الهنية، والعيشة الرضية، عوضا عما فاتهم من الخلافة، وكان صلاح يتندم على إقامة الخطبة لبني العباس بمصر قبل وفاة العاضد، وهلا صبر بها إلى بعد وفاته، ولكن كان ذلك قدرا مقدورا. ومما نظمه العماد في ذلك:
توفي العاضد الدعي فما * يفتح ذو بدعة بمصر فما وعصر فرعونها انقضى وغدا * يوسفها في الأمور محتكما قد طفئت جمرة الغواة وقد * داخ من الشرك كل ما اضطرما وصار شمل الصلاح ملتئما * بها، وعقد السداد منتظما لما غدا مشعرا (2) شعار بني * العباس حقا والباطل اكتتما وبات داعي التوحيد منتظرا (3) * ومن دعاة الاشراك منتقما وظل أهل الضلال في ظلل * داجية من غبائة وعمى وارتكس الجاهلون في ظلم * لما أضاءت منابر العلما وعاد بالمستضئ معتليا (4) * بناء حق بعد ما كان منهدما أعيدت الدولة التي اضطهدت * وانتصر الدين بعدما اهتضما واهتز عطف الاسلام من جلل * وافتر ثغر الاسلام وابتسما